تُمثّل خصوصيّة البيانات مسألة بالغة الأهمّية بالنسبة لمُستخدمي الإنترنت، ولاسيّما عند الاتّصال عبر شبكات الواي فاي العامّة حيث يكون المُستخدمين أكثر عرضة من غيرهم لمخاطر الاختراق وانتهاك الخصوصيّة وتتبُّع البيانات. لذا يعُد استخدام الـ VPN واحدة من أشهر الطُرق المُتّبعة لإضفاء درجة من الأمان والخصوصيّة على البيانات والمعلومات الشخصيّة. هُناك من يُبالغ في تقدير إمكانيّات الـ VPN إلى حدّ الاعتقاد في قدرتها على حجب جميع بيانات المُستخدم أثناء الاتّصال بالإنترنت بحيث يتمتّع بتجربة استخدام شديدة الخصوصيّة، وهو اعتقاد مُضلّل يمنح شعورًا زائفًا بالأمان، والواقع أنّه ما من طريقة مضمونة يُمكنها إخفاء جميع أنشطتك وجعل جميع بياناتك مُشفّرة تمامًا عن أعين المتطفلين.
ولكي نضع الأمور في نصابها الصحيح نستعرض أدناه أنواع البيانات التي يُمكن للـ VPN إخفاءها وحجبها عن الآخرين، والبيانات التي لا يتمّ تشفيرها حتّى مع استخدام أقوى شبكات VPN.
ما يمكن للـ VPN إخفاؤه من بيانات
أولًا: ما هي الشبكات الافتراضيّة الخاصّة VPN؟
تمتلك الشبكة الافتراضيّة الخاصّة (VPN) مجموعة من الخوادم المحميّة الموجودة في مواقع جغرافيّة مُختلفة من العالم. ويُمكن لشبكات VPN الموثوقة أن توفّر لمُستخدميها اتّصالًا محميًّا بالإنترنت عن طريق تشفير البيانات التي يقوم المُستخدمين بإرسالها أو تلقّيها خلال اتّصالهم بالإنترنت وبالتالي إخفاء هويّاتهم ومواقعهم الجغرافيّة الفعليّة، وسجلّات نشاطهم في الوقت الفعليّ لمنع مزوّدي خدمة الإنترنت وأيّ أطراف خارجيّة أخرى من تتبّع ومُراقبة أنشطة المُستخدمين وحركتهم عبر الإنترنت وتقييد استخدامهم للخدمات، إلى جانب منع المُتسلّلين والمُهاجمين الإلكترونيّين من سرقة بياناتهم.
ثانيًا: بيانات تُصبح مُشفّرة عند استخدام شبكات VPN
عنوان بروتوكول الإنترنت (IP)
تستخدم شبكة الإنترنت ما يُعرف ببروتوكول الإنترنت (IP)، وهو مجموعة القواعد التي تحكم تنسيق البيانات المنقولة عبر شبكة الإنترنت أو الشبكة المحلّية، ويتمّ التعرُّف على أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التوجيه ومواقع الويب المختلفة لنقل البيانات فيما بينها من خلال مُعرّف فريد يتكوّن من مجموعة أرقام، ويُسمّى بعنوان بروتوكول الإنترنت (IP Address).
يمتلك كُلّ جهاز مٌتّصل بالإنترنت عنوان IP مُميّز يقوم بتعيينه مزوّد خدمة الإنترنت (ISP). في الظروف الطبيعيّة يكون عنوان IP الخاص بكُلّ جهاز مرئيًا بحيث يُمكن لأيّ شخص على الويب الوصول إليه، وهو ما يسمح لمزوّدي خدمة الإنترنت بمُراقبة وتتبع نشاط المُستخدم عبر الإنترنت، وتقييد وصوله إلى مواقع أو خدمات مُعينة، وحتى التحكُّم في سرعة اتصاله بالإنترنت. يقوم مزوّدو خدمة الإنترنت في بعض الأحيان ببيع بيانات عملائهم لبعض الشركات أو تقديمها للجهات الحكوميّة، كما يُمكن للمُهاجمين الإلكترونيّين جمع المزيد من المعلومات الشخصيّة عن أيّ مُستخدم من خلال معرفة عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص به.
في الحالتين السابقتين يُمكن الاستعانة بشبكات VPN لإخفاء عنوان الـIP، إذ تقوم شبكات VPN بإخفاء وتشفير عنوان بروتوكول الإنترنت أو عنوان الأي بي (ِAddress IP) الخاص بالمُستخدم، وإعادة توجيهه إلى خادم بعيد في دولة أو منطقة جغرافيّة أخرى مُنشأ خصّيصًا لهذا الغرض، والذي يتمّ تشغيله من خلال مضيف شبكة VPN، وبالتالي يُصبح خادم VPN هو مصدر بيانات المُستخدم عند تصفّحه لشبكة الإنترنت من خلال الشبكة الافتراضيّة الخاصّة، وهو ما يعني أن مُزوّد خدمة الإنترنت (ISP) والأطراف الثالثة الأخرى لن يتمكّنوا من تتبُّع البيانات التي يُرسلها أو يتلقّاها المُستخدم عبر شبكة الإنترنت، والتي تُتيح لهم الوصول إلى عناوين مواقع الويب التي يزورها المُستخدم، وعمليّات البحث التي يُجريها، وملفات تعريف الارتباط، وغير ذلك من أنشطة التصفُّح.
بيانات الموقع الجغرافيّ للمُستخدم
أن يتمكّن أيّ شخص آخر من الوصول إلى موقعك الجغرافيّ الفعليّ أثناء اتّصالك بالإنترنت لهو أمر مُثير للقلق بطبيعة الحال، وكثيرًا ما تُلاحظ أثناء تصفّحك للإنترنت أو لمواقع التواصل الاجتماعيّ ظهور إعلانات مموّلة عن مطاعم ومتاجر وعيادات أطبّاء تقع بالقرب منك أو في نفس مدينتك حتّى وإن ظلّت خدمة الوصول للموقع الجغرافيّ مُعطّلة على هاتفك. يُحاول المُعلنون دائمًا استهداف فئات مُعيّنة من الجمهور من الموجودين في مناطق جغرافيّة مُحدّدة، ويُتيح لهم عنوان IP الخاص بك إذا كان مرئيًّا معلومات حول موقعك الجغرافيّ الفعلي. يُمكن ان تتسبّب بيانات موقعك الجغرافيّ واستخدامك لخوادم محلّية كذلك في حرمانك من بعض الخدمات أو تقييد وصولك لبعض المواقع التي تكون محظورة في نطاقك الجغرافيّ.
يُساعدك استخدام شبكات VPN في التغلّب على كُلّ من الإعلانات الموجّهة والمحتوى المُقيّد في منطقتك الجغرافيّة حيث تقوم VPN بتشفير بيانات موقعك الجغرافيّ الفعلي، وتتيح لك الاتّصال بالإنترنت من خلال خوادم موجودة في بُلدان أخرى حول العالم مما يسمح لك بالوصول إلى مُحتوى مواقع الويب التي تفرض قيودًا إقليميّة لتصفّحها بحيث لا يُمكنك الوصول إليها من خلال خوادم محلّية، ويُبقيك بأمن من استهداف المُعلنين.
معلومات التعريف الشخصية (PII)
هُناك العديد من المعلومات الشخصيّة من الشائع أن نتداولها بكثرة على شبكات الإنترنت لأغراض عديدة مثل إنشاء الحسابات والاشتراك في الخدمات المُختلفة وملء البيانات وغير ذلك. معلومات مثل الاسم وعنوان البريد الإلكترونيّ وتاريخ الميلاد ورقم الهاتف قد تبدو للكثيرين معلومات قليلة الحساسيّة نقوم بإدخالها إلى المواقع المُختلفة دون أن تنتابنا الكثير من المخاوف، ولكنّها في الحقيقة معلومات عالية الأهمّية يُمكن أن تتسبّب لنا في وقوع الكثير من الضرر، إذ يُمكن للمُهاجمين الإلكترونيّين والمُتسلّلين استغلال مثل هذه البيانات في تسجيل الدخول إلى الحسابات الشخصيّة وانتحال الهويّة. تعمل شبكات VPN على تشفير هذا النوع من المعلومات أيضًا ويتمّ نقلها خلال خوادم محميّة ممّا يُصعّب من مهمّة المُهاجمين الإلكترونيّين والمُتسلّلين ويحدّ من قُدرتهم على الوصول إلى معلومات التعريف الشخصيّة.
سجلّ نشاط المُتصفّح
عند الاتّصال بالإنترنت في الحالة القياسيّة دون استخدام VPN يكون سجلّ نشاط المُستخدم مرئيًّا بالكامل لمزوّد خدمة الإنترنت بحيث يُمكنه الاطّلاع على عناوين المواقع التي يزورها وعمليّات البحث التي يُجريها وحتّى الملفّات التي يقوم بتنزيلها وغير ذلك، ولكن مع استخدام شبكة VPN جيّدة يتمّ نقل البيانات بصورة مشفّرة عبر خوادم بعيدة محميّة وآمنة وهو ما يضمن عدم اعتراض البيانات من أطراف خارجيّة، كما لا تحتفظ VPN بسجلّات لأنشطة المُستخدمين ممّا يمنع وصول أيّ أطراف خارجيّة كالمعلنين أو مزوّدي خدمة الإنترنت لسجلّ النشاط الخاص بك.
سجلّ تنزيلات التورنت
يُعدّ تنزيل الملفّات باستخدام بروتوكول BitTorrent أو ما يُعرف بملفّات التورنت وسيلة عمليّة للغاية وسريعة لتنزيل الملفّات ذات الحجم الكبير جدًّا، كملفّات الأفلام أو الألبومات الموسيقيّة أو توزيعات أنظمة التشغيل، والتي يصعُب تنزيلها ومُشاركتها مع الآخرين بالطُرق الأخرى، ومع هذا تظلّ هذه المُمارسة محفوفة بالكثير من المخاطر، ففي بعض الأحيان يكون تداول هذه الملفّات غير قانونيّ أو مُقيّد بحقوق الملكيّة، وبما أنّ سجلّ تنزيلات التورنت الخاصّة بالمُستخدمين يكون مرئيًّا بالكامل لمزوّدي خدمة الإنترنت، فقد تُعرّضهم أنشطة التورنت في بعض الأحيان للمساءلة القانونيّة. ويكمُن الحل لهذه المُشكلة في الاتّصال بالإنترنت من خلال خوادم VPN المحميّة أثناء تنزيل ملفّات التورنت إذ تجعل VPN سجلّ تنزيلات التورنت مُشفّرًا وغير مرئيًّا حتى لمزوّدي خدمة الإنترنت ولأيّ أطراف الخارجيّة أخرى.
ثالثًا: بيانات تظل غير محجوبة عند استخدام VPN
على الرغم من فاعليّة الشبكة الافتراضيّة الخاصّة VPN وقُدرتها على تشفير وإخفاء عنوان الـIP الخاص بالمُستخدم وموقعه الجغرافيّ الفعليّ وسجلّ نشاطه وسجلّ تنزيلاته ومعلوماته الشخصيّة وحجبها عن الأطراف الخارجيّة ومزوّدي خدمة الإنترنت أثناء الاتّصال بالإنترنت، فإنّ بعض البيانات تظلّ غير مشفّرة ويُمكن للمُهاجمين الإلكترونيّين والمُتسلّلين المُتمرّسين الوصول إليها بطريقة أو بأخرى، وأهمّ هذه البيانات ما يلي:
البرمجيّات الخبيثة والفيروسات
لا يغني استخدام شبكات VPN الجيّدة عند الاتّصال بالإنترنت عن تثبيت برامج مكافحة الفيروسات القويّة على الأجهزة، فعلى الرغم من أنّ VPN تُشفّر بيانات المُستخدم وتنقلها عبر خوادم مؤمّنة، فإنها لا تمنع المُستخدم من تحميل أيّ شيء على جهازه عبر شبكة الإنترنت بما في ذلك البرمجيّات الخبيثة والفيروسات، كما أنّها لا تحمي الملفّات الموجودة على الأجهزة في حالة إصابتها، فهذا هو دور برامج مكافحة الفيروسات الجيّدة التي يتمّ تثبيتها على الأجهزة، والتي يُمكنها وحدها الكشف عن البرمجيّات الخبيثة فور ظهورها وإعاقة عملها وإزالتها في بعض الأحيان.
معلومات الدفع والبطاقات المصرفيّة
تؤمّن VPN نقل البيانات بصورة مشفّرة أثناء الاتّصال بالإنترنت، ولكنّها لا توفّر أيّ حماية إضافيّة لبيانات الدفع والبطاقات الائتمانيّة والمصرفيّة التي يُقدّمها المُستخدم للبائعين خلال عمليّات الدفع الإلكترونيّ أو الشراء عبر الإنترنت، فحتّى مع استخدام شبكة VPN قويّة يظلّ بإمكان البائع الوصول إلى معلومات الدفع الخاصّة بالمُستخدم، لذلك يجب الحرص على الشراء من متاجر موثوقة واستخدام تطبيقات دفع إلكترونيّ مؤمّنة جيّدًا.
عنوان MAC للجهاز
في حالة أجهزة الكمبيوتر التي تستخدم نظام التشغيل ماك، يمتلك كُلّ جهاز مُعرّف فريد يُميّزه عن جميع الأجهزة الأخرى، ويسمح بالتحكُّم في الوصول إلى الوسائط وتتبّع نشاط الجهاز، ويُطلق على هذا المُعرّف عنوان MAC. يختلف عنوان MAC بطبيعة الحال عن عنوان الـIP الخاص بالجهاز، والذي تعمل شبكات VPN على تشفيره لإخفاء هويّة المُستخدم، وفي حالة استخدام شبكة VPNعلى أجهزة أبل لا يتمّ إخفاء عنوان MAC الخاص بالجهاز، ويظلّ من المُمكن تتبّع نشاط الجهاز من خلال مُعرّف ماك الفريد على الرغم من ذلك.
سجلّ نشاط الحسابات
من خلال عمليّة تشفير نقل البيانات، يُمكن لشبكات VPN إخفاء سجلّ التصفّح الخاص بك ومنع وصول أطراف خارجيّة إلى معلومات مثل عناوين مواقع الويب التي تزورها، وعمليّات البحث التي تجريها، والملفّات التي تقوم بتنزيلها. على الرغم من ذلك فإنّ الحسابات على تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعيّ ومواقع البريد الإلكترونيّ والخدمات الأخرى تظلّ تحتفظ من جانبها بسجلّ نشاط المُستخدمين، وتظلّ الشركة التي تُقديم هذه الخدمة أو تدير تلك المنصة قادرة على تتبّع ومُراقبة حركة نشاط المُستخدمين داخل نظامها الأساسيّ – مثل أداة Off-Facebook Activity – وهو ما يعني أنّ نشاط المُستخدم على هذه الحسابات لا يكون محميًّا بشكل كامل حتّى مع استخدام شبكات VPN.
استهلاك البيانات
يُمكن أن تُساعد شبكات VPN على حجب الكثير من البيانات عن مزوّد خدمة الإنترنت بما يوفّر درجة معقولة من الخصوصيّة للمُستخدم ويضمن عدم تعقُّب مزوّد خدمة الإنترنت لحركة مرور المُستخدم عبر الإنترنت واطّلاعه على المواقع التي يزورها، أو عمليّات البحث التي يُجريها، أو الملفّات التي يقوم بتنزيلها. أمّا ما لا تستطيع أقوى شبكات VPN حجبه عن مزوّد خدمة الإنترنت فهو مُعدّل استهلاك البيانات، إذ يظلّ بمقدور مزوّد خدمة الإنترنت معرفة مقدار ما استهلكه المُستخدم من بيانات بالضبط أثناء اتّصاله بالإنترنت حتى إذا كان يستخدم شبكة VPN. وعليه فإنّ استخدام VPN لا يفيد في تجاوز الحدود القصوى لاستهلاك البيانات، والتي يفرضها بعض مزوّدو خدمة الإنترنت على المُشتركين بصورة شهريّة.
أن تكون على دراية كافية بما يُمكن لشبكات VPN أن تفعله وما لا تستطيع فعله بالضبط هو ما يُحدّد كيفيّة استخدامك للـ VPN. يُمكن لخوادم VPN أن تمنحك الكثير من المزايا أثناء الاتّصال بالإنترنت، إذ يُمكنها أن تُضفي على هذا الاتّصال درجة مقبولة من الخصوصيّة، وإن لم تكُن خصوصيّة مُطلقة بطبيعة الحال، على الأقلّ يُمكنها أن توفّر لك حماية نوعيّة من بعض المُتسلّلين والمُهاجمين الإلكترونيّين وتحدّ من قُدرتهم على اعتراض بياناتك أثناء نقلها عبر الخوادم أو تتبُّع نشاطك عبر الإنترنت.
يُمكنها أيضًا أن تُفيدك بشكل كبير في التغلّب على قيود عرض المُحتوى في النطاق الجغرافيّ الذي تتواجد فيه، ويُمكنها مُساعدتك على تفادي تبعات الوصول غير القانونيّ لبعض أنواع المُحتوى مثل ملفّات التورنت، لكنّها لا تُعدّ بديلًا عن كافّة احتياطات وإجراءات الأمان الأخرى بدءًا من تثبيت برامج مكافحة فيروسات قويّة وتأمين الاتّصال بالإنترنت وحتّى الحرص على تفادي هجمات التصيّد الاحتياليّ، وتجنّب تحميل الملفّات والبرامج والتطبيقات من المصادر غير الموثوقة.