5 أشياء يجب معرفتها قبل استخدام متصفح بالذكاء الاصطناعي

تمتلك متصفحات الانترنت التي تعمل بالذكاء الاصطناعي نقاط ضعف عديدة تستدعي الانتباه، دعونا نسلط الضوء عليها في هذا المقال.
أعلنت شركة OpenAI في أكتوبر الماضي عن إطلاق ChatGPT Atlas وهو مُتصفّح مدعوم بالذكاء الاصطناعيّ، ما يُعدّ بمثابة خطوة للأمام نحو دمج أنظمة الذكاء الاصطناعيّ في المزيد من التطبيقات والمهام المُختلفة. لكن هذه ليست هي المرة الأولى التي نرى فيها متصفح يعمل بالذكاء الاصطناعي، حيث سبق أن قدمت شركة بيربلكسيتي متصفحها Comet، وشركة أوبرا التي أطلقت مُتصفّح الذكاء الاصطناعيّ Neon. عمومًا، تُمكّن مُتصفّحات الذكاء الاصطناعيّ المُستخدم من الوصول الفوريّ إلى خدمات نماذج الذكاء الاصطناعيّ مثل ChatGPT واستخدامها بسهولة أثناء تصفّح الويب، كما تسمح باتّخاذ العديد من الإجراءات نيابة عن المُستخدم مثل حجز رحلات السفر والشراء من المتاجر الإلكترونيّة ليبدو نموذج الذكاء الاصطناعيّ وكأنّه وكيل شخصيّ مُدمج في مُتصفّح الويب الخاص بالمُستخدم. وعلى الرغم من المُميّزات الكثيرة التي توفّرها، فإنّ مُتصفّحات الويب المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ لا تزال تُعاني قصورًا في بعض الجوانب، ولا تزال تمتلك نقاط ضعف تستدعي الانتباه، وهو ما سنوضّحه في السطور التالية.
متصفح يعمل بالذكاء الاصطناعي

عيوب متصفحات الذكاء الاصطناعي

أكثر انتهاكًا للخصوصيّة

تكمن الفروق الجوهريّة بين مُتصفّحات الويب المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ ومُتصفّحات الويب التقليديّة في أمرين رئيسيّين، يتمثّل أحدهما في الزرٌّ الذي يظهر باستمرار في الزاوية العلويّة اليُمنى من نافذة المُتصفّح، والذي يسمح للمُستخدم في أيّ وقت باستدعاء بوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعيّ لطرح أسئلة حول المحتوى الذي يُشاهده أو توضيح المقال الذي يقرأه، أو شرح الصورة التي يُطالعها في نافذة المُتصفّح، أو غير ذلك. أمّا الأمر الثاني فيتمثّل في وضع الوكيل، والذي يسمح للمُستخدم بتفويض مُساعد الذكاء الاصطناعيّ للقيام ببعض المهام واتّخاذ بعض الإجراءات بدلًا منه، مثل إجراء التغييرات على المُستندات النصّية في جوجل، أو حجز التذاكر، أو التسوّق من المتاجر الإلكترونيّة.

يعني هذا أنّ مُتصفّحات الويب المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ تتمتّع بإمكانيّة الوصول إلى قدر أكبر من المعلومات والبيانات وتكون قادرة اختزانها خلال جلسات التصفّح، مثل محتوى مواقع الويب التي يزورها المُستخدم ومحتوى الرسائل والمُحادثات التي يُجريها على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعيّ مثل موقع واتساب، على عكس مُتصفّحات الويب التقليديّة التي تختزن عناوين URL الخاصّة بالمواقع وصفحات الويب في سجلّ التصفُّح ولكنّها لا تختزن أيّ معلومات حول محتوى تلك المواقع والصفحات.

تزعم شركات مثل OpenAI أنّ جميع البيانات التي تختزنها مُتصفّحات الويب المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ يتمّ الاستفادة منها لتدريب النماذج وتحسين أداءها في المستقبل، ويعني هذا أنّ سجلّ زياراتك وتفضيلاتك ومُطالباتك اليوميّة سوف تؤثّر على المحتوى الذي يظهر لملايين المُستخدمين الآخرين ممّا يجعلها أكثر انتهاكًا للخصوصيّة من مُتصفّحات الويب التقليديّة، كما أنّها، وبكُلّ ما تختزنه من معلومات وبيانات شخصيّة، تُشكّل كنزًا ثمينًا للمُتلصّصين والمُهاجمين الإلكترونيّين في حال تمكّنهم من اختراق الأجهزة. تُتيح مُتصفّحات الويب المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ لمُستخدميها على أيّ حال إمكانيّة حذف البيانات المُختزنة، ومع ذلك لا يزال استخدام مُتصفّح ويب مدعومًا بالذكاء الاصطناعيّ عمليّة محفوفة بالمخاطر تُعدّ بمثابة تضحية فادحة بخصوصيّة البيانات.

أقلّ أمانًا

ChatGPT Atlas agent mode

تُعاني مُتصفّحات الويب المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ من ثغرات أمنيّة قد تجعلها أكثر عرضة لبعض أنواع الهجمات الإلكترونيّة، وخاصّةً هجمات الحقن الفوريّ التي يقوم خلالها المُهاجمون بإدراج تعليمات قد لا تكون مرئيّة للمُستخدم ضمن محتوى صفحات الويب التي يتمّ تصفّحها ولكنّها مرئيّة لنموذج الذكاء الاصطناعيّ بحيث يُمكنها خداع النموذج وحثّه على تنفيذ أوامر المُهاجم بدلًا من تنفيذ أوامر المُستخدم الأصليّ. قد تنطوي تلك التعليمات على أوامر خبيثة مثل الكشف عن كلمات المرور، وتنزيل الملفّات الملغومة بالبرمجيّات الخبيثة، ونسخ البيانات الشخصيّة، وفتح البريد الإلكترونيّ للمُستخدم.

يعتمد هذا النوع من هجمات الحقن الفوريّ على ضعف قُدرة نماذج الذكاء الاصطناعيّ على التمييز بين محتوى المواقع الإلكترونيّة التي تزورها، وتعليمات المُستخدم الفعليّ التي ينبغي اتّباعها عندئذٍ يُمكن للمُهاجمين الإلكترونيّون إخفاء سطر الأوامر الخاص بهم داخل النصّ الموجود في صفحة الويب بحيث لا يُمكن للمُستخدم الفعليّ رؤيته عند تصفّح الموقع، ولكن عند تفعيل وضع الوكيل في مُتصفّح الويب المدعوم بالذكاء الاصطناعيّ يُحاول نموذج الذكاء الاصطناعيّ فهم مُحتوى صفحة الويب بالكامل بما في ذلك سطر الأوامر المخفيّ، والذي قد يعتقد الوكيل أنّه جزء من المُحادثة والأوامر الصادرة عن المُستخدم، ومن ثمّ يبدأ في تنفيذ تعليمات المُهاجم.

يُمكن للمُهاجم أن يطلب من وكيل الذكاء تجاهل مُطالبات المُستخدم الأصليّ وتنفيذ مُطالباته هو عوضًا عنها كأن يدفع وكيل الذكاء الاصطناعيّ إلى شراء المُنتج الأعلى سعرًا من المتجر الإلكترونيّ بدلًا من المُنتج الأصليّ الذي طالبه المُستخدم بشرائه، أو أن يوجّه وكيل الذكاء الاصطناعيّ إلى فتح روابط أو تحميل مُرفقات غير آمنة. يُمكن لهجمات الحقن الفوريّ أن تتسبّب في أضرار فادحة للمُستخدم، إذ يستطيع المُهاجم من خلالها التحكُّم في الأجهزة عن بُعد والوصول إلى بيانات المُستخدم ومعلوماته الشخصيّة وإساءة استخدامها بما في ذلك البيانات الحسّاسة كبيانات البطاقات المصرفيّة.

عرضة للتحيّز وعدم الدقّة

تستند متصفّحات الذكاء الاصطناعيّ إلى خوارزميّات التعلُّم الآليّ، والتي تعتمد في تدريب وتحسين أداء نماذجها بشكلٍ أساسيّ على جمع المعلومات إمّا من مواقع وصفحات الويب أو من آلاف المُستخدمين الذين يتعاملون مع النموذج حول العالم، وهو ما يعني أنّ النتائج التي يُقدّمها نموذج الذكاء الاصطناعيّ استجابةً لمُطالباتك عرضة لأنّ تتأثّر بالمعلومات والبيانات المُستمدّة من مُستخدمين آخرين، والتي تتضمّن في كثير من الأحيان أراءً مُتحيّزة أو تُعبّر عن تفضيلات شخصيّة، وأنّ تتأثّر بالمعلومات المغلوطة وغير الدقيقة المُستمدّة من مواقع غير مُتخصّصة نظرًا لعدم قُدرة نموذج الذكاء الاصطناعيّ على التفرقة بين المصادر الموثوقة والمُحتوى ضعيف الموثوقيّة الموجود على الويب.

لنفترض على سبيل المثال أنّك كُنت تُطالع قصة أو مقالة في جريدة وردت فيها كلمة مثل "تساقط الشعر"، وقد لفت الأمر انتباهك إلى الحد الذي جعلك تضغط على زرّ المُحادثة المُدمج في مُتصفّح الذكاء الاصطناعيّ لتسأل البوت عن أفضل الطُرق لعلاج تساقط الشعر، فمن الوارد أن يُقدّم لك نموذج الذكاء الاصطناعيّ إجابة تتضمّن معلومات مغلوطة وغير دقيقة مبنيّة على محتوى صفحات ومواقع الويب التي تظهر أوّلًا في النتائج على مُحرّك البحث، وليس استنادًا إلى المصادر الموثوقة والمواقع الطبّية المتخصّصة التي تتضمّن معلومات مُدقّقة.

بل وفي كثير من الأحيان قد لا يُشير نموذج الذكاء الاصطناعيّ إلى المصادر التي استند إليها في إجاباته كي يتسنّى للمُستخدم تقييم مدى موثوقيّتها والتحقّق من دقّتها، بينما لو أجريت بحثًا يدويًّا سريعًا على مُحرّك بحث جوجل باستخدام مُتصفّح الويب التقليديّ يُمكنك انتقاء المواقع الأكثر مصداقيّة وموثوقيّة من بين النتائج المُعطاة.

تتّسم بضعف الأداء والفاعليّة المحدودة

Ask ChatGPT Button

يتمثّل الدافع الحقيقيّ الذي قد يُغري المُستخدم بتفعيل وضع الوكيل في مُتصفّحات الذكاء الاصطناعيّ في كونه يُوفّر الوقت والجهد اللازم لأداء بعض المهام يدويًّا، ولكن هذا لا يتحقّق فعليًّا على أرض الواقع إذ لا يزال أداء نماذج الذكاء الاصطناعيّ عرضة للخطأ ولا يتمتّع بالدقّة المطلوبة للاعتماد عليه بشكل كامل دون الحاجة إلى مُراجعة ما يفعل.

لنفترض على سبيل المقال أنّك قُمت بتفعيل وضع الوكيل في مُتصفّح الذكاء الاصطناعيّ ثُمّ سألت نموذج الذكاء الاصطناعيّ عن إحدى وصفات طهي، وطالبته بشراء المكوّنات المطلوبة لتحضير الوصفة من المتجر الإلكتروني تلقائيًّا، فإنّ طريقة التحضير التي سيختارها نموذج الذكاء الاصطناعيّ ليست هي الطريقة الأفضل بالضرورة أو الطريقة التي قد تُفضّلها أنت، كما أنّه قد يشتري بعض المكوّنات الموجودة لديك بالفعل.

كذلك يُمكن أن تحدث بعض الأخطاء إذا طلبت من وكيل الذكاء الاصطناعيّ شراء تذاكر السينما أو حجز رحلات السفر نيابة عنك، فقد يختار لك المقعد غير المُناسب أو الخطوط الجوّية الأعلى تكلفة، وبالتالي لابُدّ في مثل هذه الحالات من مُراجعة ما يقوم به وكيل الذكاء الاصطناعيّ قبل إتمام عمليّات الشراء وحجز المواعيد، وهو ما يضع على عاتقك نفس العبء تقريبًا كما لو كُنت تفعل هذه المهام بنفسك، لتجد في النهاية أنّ الأمر قد استغرق وقتًا أكثر من اللازم وكلّفك مزيدًا من الجهد بدلًا من يجعلك أكثر راحة ويعمل على تحسين الإنتاجيّة.

تُوجد بدائل أكثر أمانًا

Nanobrowser

لا تُعتبر مُتصفّحات الذكاء الاصطناعيّ نوعًا متطوّرًا بشكل خاص من البرامج، وما هي في الواقع إلّا مُتصفّحات ويب عاديّة فقط أضيف إليها في الشريط الجانبيّ للمتصفّح كما ذكرنا من قبل زرّا مُدمجًا يسمح بالوصول السريع والسهل إلى نموذج الذكاء الاصطناعيّ وإجراء مُحادثة معه مُباشرةً دون الحاجة إلى مُغادرة المُتصفّح، كما أضيف لها وضع الوكيل الذي يسمح للمُستخدم بأتمتة نموذج الذكاء الاصطناعيّ لاتّخاذ بعض الإجراءات أو القيام ببعض المهام مُتعدّدة الخطوات آليًّا نيابةً عن المُستخدم.

بالنظر إلى فوائد مُتصفّحات الذكاء الاصطناعيّ نجد الأمر لا يستدعي تثبيت مُتصفّح جديد بالكامل وتكلّف المزيد من التنازلات عن الخصوصيّة أو المُخاطرة بأمان البيانات، إذ يُمكن الحصول على مُعظم هذه المُميّزات عن طريق إضافة بعض الأدوات والتطبيقات إلى مُتصفّحات الويب التقليديّة. يُمكنك على سبيل المثال تثبيت إضافة Nanobrowser التي تمنحك شريط بحث جانبيّ متطور مدعوم بالذكاء الاصطناعيّ، كما يُتيح لك إمكانيّة استخدام بعض خصائص وكيل الذكاء الاصطناعيّ.

تتسارع وتيرة دمج نماذج الذكاء الاصطناعيّ في شتّى تفاصيل حياتنا يومًا بعد يوم، ومعها تزداد مخاوفنا من التهديدات الأمنيّة، وهو ما يتطلّب منّا الحرص وضرورة التزام الحذر فيما يتعلّق بحزم البيانات التي يتم بثّها من أجهزتنا يوميًّا ونقلها عبر الخوادم إلى السحابة إلى الحدّ الذي نستطيع معه الاستفادة من وظائف الذكاء الاصطناعيّ بأمان قد الإمكان.
يارا فاروق
يارا فاروق
مهندسة كهرباء وكاتبة محتوى تقني بخبرة تزيد عن 6 سنوات، مهتمة بمجال التقنية، حصلت على خمسة جوائز من مؤسسة ويكيميديا في مسابقات كتابة المحتوى.
تعليقات

احدث المقالات