منذُ بدأت محركات البحث
المدعومة بالذكاء الاصطناعي
تغزو الساحة بالتزامن مع وجود
روبوتات AI
تطل من كل زاوية، بات واضحًا أن المشهد التقني على مستوى الإنترنت يعيش مرحلة
إعادة تشكيل جذرية. ورغم أن جوجل ما زالت تفرض هيمنتها المطلقة على مجال محركات
البحث
بحصة سوقية تقارب 90%
إلى جانب
سيطرة تقارب 70%
بفضل متصفح كروم، إلا أن هذه الهيمنة لم تمنع أسماء جديدة من محاولة قلب المعادلة
وإعادة رسم المشهد. من بين هؤلاء يبرز اسم Perplexity، الشركة التي
اشتهرت بمحرك بحث
يعتمد كليًا على الذكاء الاصطناعي، والتي أعلنت مؤخرًا عن إطلاق
متصفح جديد يحمل اسم Comet. المتصفح ظل لفترة طويلة يخضع للتطوير ولم يكن مسموحًا إلا لعدد قليل تجربته،
لكن اليوم أصبح متوفر للجميع، مما أُتيح لنا تجربته ومشاركة الانطباعات الأولى
عنه. لذلك دعونا نرى ما إذا كان يستحق أن يكون بديل حقيقي
لمتصفحات الويب التقليدية
أم مجرد واجهة ترويجية لمحرّك بحث Perplexity.
مراجعة متصفح Comet من Perplexity
ما هو متصفح Comet أصلًا؟
حتى الآن، معظم متصفحات الإنترنت تعمل بالطريقة نفسها، أي أنها تتطلب إجراءات
يدوية يُجريها المستخدم مثل كتابة عنوان الموقع أو كلمات البحث والنقر هنا وهناك،
إلخ؛ في حين يمكن للمتصفحات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التنقل بين الصفحات
وقراءة وتلخيص المحتوى وإنجاز المهام بصورة أسرع — هذا تحديدًا ما يركز عليه
متصفح Comet.
في الواقع، لا يحاول متصفح Comet إعادة اختراع العجلة بل أنه يعتمد في
الأساس على نواة "كروميوم" وهي نفسها النواة التي يقوم عليها جوجل كروم
ومايكروسوفت إيدج وبريڤ، وبالتالي هذا يترجم إلى أنه سريع، ومتوافق مع معايير
الويب الحديثة، ويدعم بشكل كامل إضافات متجر Chrome Web Store. لذلك، فإن
الانتقال إليه من متصفح "كروم" يتم بسهولة تامة، حيث يمكن استيراد الإشارات
المرجعية وسجل التصفح وكلمات المرور وكل شيء آخر دون أي صعوبات.
لكن ربما الشيء الذي يجعل Comet مختلفًا حقًا هو دمجه المباشر لمساعد الذكاء
الاصطناعي Perplexity بكل تفاصيله، بما في ذلك فلسفة التصميم من حيث الألوان
والخطوط. لذا فالأمر لا يقتصر هنا على مجرد أداة إضافية للمتصفح، بل إن المساعد
مدمج في صميم المتصفح نفسه ويرافقك في كل خطوة للإجابة عن أسئلتك، أو تلخيص
الصفحات، أو إرشادك دون الحاجة إلى فتح نافذة أخرى. هذا التكامل يمكن
ملاحظته من بداية تشغيل المتصفح، وتحديدًا مع صفحة الـ New Tab كما نستعرض في
الفقرة التالية.
ملحوظة: يمكنك تنزيل متصفح Comet مجانًا على جهازك سواء كان يعمل بنظام ويندوز أو macOS ويمكن البدء في استخدامه مباشرًة بعد التثبيت، لكن يُفضل التسجيل بحسابك على Perplexity للاستفادة من كامل مزايا المتصفح.
محرك البحث Perplexity في كل مكان!
منذ اللحظة الأولى التي تفتح فيها متصفح Comet، لن تجد جوجل أو بينج أو حتى
صفحة فارغة، بل يظهر مباشرًة
محرك البحث الذكي الخاص بـ Perplexity. يمكن طرح الأسئلة عليه كما يُفعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل
ChatGPT أو Claude أو Gemini، أو كتابة استفسار بالطريقة العادية كما اعتدت في
محركات البحث التقليدية المعروفة. واجهة الاستخدام بسيطة وواضحة، وتتيح أيضًا
الإشارة إلى أي تبويبة مفتوحة ليتمكن الذكاء الاصطناعي من التفاعل معها.
من مميزات المساعد الذكي Perplexity المُدمج في المتصفح أنه عند إجراء عملية
بحث، فإنه يعرض رابطين أو ثلاثة لمواقع ذات صلة بالمعلومة، وأحيانًا تظهر مقاطع
فيديو من يوتيوب لتعزيز ثقتك بالمعلومات الواردة من المصادر، يلي ذلك ملخصًا
يولده الذكاء الاصطناعي والذي يعتمد على مصادر معلنة قام المُحرك باختيارها، مع
قائمة واضحة أسفل الملخص تسرد المواقع المستخدمة. هذه الميزة تسهل التأكد من
المعلومات أو التعمق أكثر في الموضوع الذي تستفسر عنه.
لكن بالطبع هناك حالات لا تحتاج فيها إلى مصادر خارجية، فإذا طلبت وصفة طعام أو
ترجمة/إعادة صياغة نص ما أو شرح طريقة بسيطة لاستخدام برنامج ما على ويندوز،
يجيبك Perplexity بشكل مباشر دون بحث مُسبق، ويعرض الخطوات التي ينبغي اتباعها
خطوة بخطوة.
ومع ذلك، إذا اعتدت طريقة محرك بحث جوجل في إيجاد المصادر أو الوسائط،
فإن Perplexity يوفر تجربة مشابهة لذلك. إذ تجد في أعلى الصفحة الأقسام
المعتادة مثل "الصور" و"الفيديوهات"، بالإضافة إلى قسم "المصادر" حيث يمكنك
الاطلاع على الروابط التي اختارها المحرك لبناء إجابته، وهذا يمنح المستخدم فرصة
للتحقق من المعلومات وعدم الاكتفاء بملخص يقدم عبر الذكاء الاصطناعي.
أدوات ذكية متعددة تحسن تجربة التصفح
إذا نظرت إلى يمين شريط العنوان بالأعلى، ستجد ثلاثة أزرار عملية تتيح لك تحقيق
أقصى استفادة من المساعد الذكي Perplexity بينما تتصفح الإنترنت وهي" "تلخيص
الصفحة" و "الوضع الصوتي" و "المساعد الشخصي" ؛ وهي إضافات بسيطة في المظهر
وتبدو عادية تمامًا، لكنها تحدث فرقًا كبيرًا عند الاستخدام. على سبيل المثال،
يؤدي الضغط على زر "التلخيص" Summarize إلى قيام المساعد بتحليل محتويات صفحة
الويب المفتوحة سواء سواء كانت مقالاً، أو صفحة منتج، أو حتى فيديو على
يوتيوب ثم تقديم ملخص سريع وموجز سهل القراءة والفهم، وذلك بنفس لغتك المفضلة
سواء العربية أو الإنجليزية، فالمتصفح يدعم عدد كبير من اللغات.
الشيء المميز أيضًا هو أنه بعد الحصول على الملخص، يمكنك متابعة الحوار مع
الذكاء الاصطناعي لطلب توضيحات إضافية أو التعمق في نقطة معينة. ميزة مفيدة
لتوفير الوقت وفهم المعلومات بشكل أفضل.
ميزة أخرى يقدّمها متصفح Comet هي وجود وضع صوتي مدمج مباشرة داخل المتصفح، حيث
يمكن التحدث مع المساعد الذكي بصوتك بمجرد الضغط على زر "تشغيل الوضع الصوتي"
Launch Voice Mode. التجربة تعمل بكفاءة عالية مقارنًة بـ
Gemini Live المدمج في كروم، حيث كان بالإمكان مثلاً أن نطلب منه إعادة فتح آخر صفحتين تم إغلاقهما،
وقد نفذ ذلك بسهولة. كما يستطيع المساعد الصوتي فتح أو إغلاق التبويبات، أو جمعها
معًا، والبحث في السجل، وحتى تلخيص محتوى صفحة ويب صوتيًا. كما يمكنه أيضًا
الإجابة بشكل فوري على استفساراتك كما لو كان مساعدًا شخصيًا بجانبك.
ما يميز هذه الخاصية هو سرعة الاستجابة وسلاسة التواصل؛ فلا حاجة للانتظار عدة
ثوانٍ أو تكرار الكلام عدة مرات، إذ يفهم Comet الطلب بسرعة حتى عند التحدث
بوتيرة طبيعية، على نحو مشابه
للوضع الصوتي المتقدم في ChatGPT.
أما بالنسبة للمساعد الشخصي، فإذا ضغطت على هذا الزر ستظهر نافذة جانبية تتيح لك
إجراء عمليات البحث أو طرح أسئلتك على المساعد الذكي Perplexity مباشرًة من
داخل نفس النافذة المفتوحة. علاوًة على ذلك، تتيح لك هذه النافذة الاستفادة من
ميزة "وكيل التصفح" أو الـ AI agent المدمجة في Comet بحيث تجعل المتصفح
نفسه قادر على تنفيذ مهام داخل المواقع، فبدلًا من البحث والضغط وملء النماذج
واستخراج البيانات يدويًا، ما عليك سوى إخبار المتصفح بما تريده بلغة طبيعية
ليُجري وكيل الذكاء الاصطناعي المهام ويتنقل عبر الإنترنت — تمامًا كما كنت
ستفعل.
ليس مجرد واجهة ترويجية لمحرّك بحث Perplexity
بالرغم من التركيز الكبير على ميزاته المدعومة بالذكاء الاصطناعي من Perplexity،
لكن يظل Comet متصفحًا متكاملًا بكل ما تعنيه الكلمة ويمكن الاعتماد عليه. فهو
يوفر كل ما يتوقعه المستخدم من أي متصفح حديث مثل التبويبات المتعددة، حفظ
الصفحات في المفضلة، سجل التصفح، وإدارة الإضافات.
تجربة التصفح فيه سلسة، الأداء جيد، ويظل مستقرًا حتى عند فتح العديد من الصفحات
في نفس الوقت. ولاختبار الأداء بشكل أدق، قمنا بإجراء اختبار سرعة بسيط
باستخدام
أداة Speedometer
لمعرفة النتائج، وكانت كما هو موضح "17.5" لصالح Comet وهي نتيجة
جيدة مقارنًة بالمتصفحات المعروفة مثل "جوجل كروم الذي حقق 16.5
وفايرفوكس 14.8 ومايكروسوفت إيدج 18.4. وبالتالي يتفوق Comet
قليلًا على كروم، لكنه ما زال أدنى بدرجة بسيطة من إيدج.
تقييمنا لـ Comet: تجربة مبشّرة تستحق الاهتمام
نجح Comet في ترك انطباع قوي لدينا مع أول استخدام، فالذكاء الاصطناعي فيه
ليس مجرد إضافة شكلية، بل جزء منه ويؤدي دورًا فعليًا أثناء تصفح الإنترنت. سواء
عند تلخيص الصفحات والفيديوهات، أو إجراء محادثات صوتية، أو طرح سؤال مباشر أو
توكيله بالمهام المعقدة، كل ذلك يتم بسلاسة وبدون جهد يُذكر. هذا ليس مجرد
استعراض للميزات، بل تجربة حقيقية تعمل كما ينبغي.
المتصفح نفسه سريع ومستقر، ويملك ما يكفي من الوظائف الضرورية ليكون بديلاً
حقيقيًا للمتصفحات التقليدية. صحيح ما زالت هناك بعض الأمور البسيطة بحاجة إلى
تحسين، مثل ظهور بعض الملخصات باللغة الإنجليزية رغم اختيار لغة أخرى، لكن
التجربة بشكل عام مشجعة وواعدة. لكن يبقى السؤال الأهم الآن هو هل
سيتمكن Comet من إثبات نفسه أمام جوجل كروم الذي ما زال يتصدر السوق بفارق كبير؟
فالمتصفحات الأخرى مثل Firefox و Edge و Brave و Opera حاولت المنافسة بطرق
مختلفة، لكنها لم تتمكن من زعزعة مكانة متصفح جوجل. على أي حال، يمكن القول إن
Comet يملك بالفعل مقومات النجاح ولديه إمكانيات واضحة، لذلك سنستمر بمتابعة
تطوره في الأيام القادمة.