بعد أيام من إعلان الشركة عن نموذجين جديدين من
سلسلة GPT-OSS
مفتوحة المصدر لأول مرة منذُ سنوات، ها هي OpenAI تطلق اليوم رسميًا نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورًا والأقوى في العالم «GPT-5» في لحظة وصفها الرئيس التنفيذي للشركة "سام ألتمان" بأنها تمثل نقلة نوعية لا يمكن التراجع عنها، مشبّهًا أثرها بأثر إطلاق أول هاتف آيفون مزوّد بشاشة Retina. كما وصف فريق OpenAI خلال
البث المباشر للمؤتمر الصحفي النموذج بأنه يتمتع بقدرات تصل لمستوى خبير حاصل على درجة دكتوراه في عدة مجالات
مثل الكتابة والبرمجة والتحليل، إلى جانب أداء مُحسن في الرعاية الصحية والمهام
المعقدة. بشكل عام، يؤذن GPT-5 بمرحلة جديدة من تجارب الذكاء
الاصطناعي، فدعونا نستعرض فيما يلي أبرز مزاياه وقدراته وكل شيء قد تحتاج معرفته.
نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-5
يأتي هذا الإصدار الجديد في إطار سعي OpenAI لاستعادة موقعها الريادي في مجال
نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، بعد المنافسة القوية التي شهدتها الساحة
مؤخرًا. إذ لا يُمثل GPT-5 مجرد تحديث لقدرات ChatGPT، بل هو بمثابة قفزة نوعية
تستند إلى تجارب المستخدمين على مدار السنوات الماضية ومُجمل خبرات OpenAI في
المجال منُذ نشأتها، إذ يقدم النموذج إمكانيات فائقة في التحليل والتفاعل
والإنتاجية، ويتجاوز حدود ما اعتدنا عليه من أجيال الـ GPT السابقة.
وبحسب بيان الشركة، فإن GPT-5 يتميّز بسرعته العالية وذكائه المتقدم
بحيث يُعد أسرع نموذج حتى الآن من حيث وقت الاستجابة وتنفيذ المهام،
بالإضافة إلى انخفاض معدل "الهلوسة" أو توليد معلومات غير دقيقة بنسبة 45%
مقارنةً بـ GPT-4o، و80% مقارنةً بموديلات OpenAI السابقة، وهذا يمثل أدنى مستوى
استطاعت الشركة تحقيقه حتى الآن، حيث يُظهر GPT-5 قدرة أكبر على الاعتراف
بحدوده؛ فلا يقدم لك معلومات غامضة أو بعيدة عن الحقيقة عندما تكون الإجابة غير
متوفرة أو يصعب الجزم فيها.
كما أن التعامل مع نموذج GPT-5 سيبدو وكأنك تتعامل مع خبيرًا يحمل
شهادة دكتوراه في مختلف المجالات مثل الكتابة والبرمجة المعقدة والتحليل
العلمي والمالي. هذا ويقدم GPT-5 مستوى تحكم مرن للباحثين والمطورين والمتخصصين،
ليضع معيارًا جديدًا يرفع من سقف الطموحات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي خلال
السنوات المقبلة.
نموذج واحد يؤدي مختلف الأدوار
واحدة من أبرز مميزات نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-5
الجديد هي أنه سيظهر داخل ChatGPT كنموذج واحد فقط بالرغم من إعلان
الشركة عن وجود عدة نماذج فرعية له مثل الإصدار المصغر (Mini) والتفكير الأعمق (GPT-5-Thinking) لكن
بدلًا من الفصل بين النموذج الأساسي ونماذج الاستدلال الأخرى، أصبح ChatGPT يعتمد
على GPT-5 كنموذج واحد مستبدلًا النماذج السابقة مثل GPT-4o و GPT-4.5 و
GPT-4.1، وغيرها. لكن خلف الكواليس يتم استخدام معالج ذكي (Real-time Router) طورته OpenAI
ليعمل على التبديل تلقائيًا إلى إصدار أكثر تعقيدًا حسب صعوبة الطلب ودقته أو عند
كتابة "فكّر بعمق" Think hard في بداية الطلب.
وفي هذا الإطار، قال رئيس ChatGPT، نيك تورلي، إن "الانطباع العام عن
النموذج إيجابي للغاية"، مضيفًا: "أعتقد أن المستخدمين العاديين سيلمسون هذا
التحسن بوضوح، حتى إن لم يكونوا على دراية بتفاصيل النماذج التقنية". كما أكد
"سام ألتمان" في تصريحاتٍ مباشرة اليوم أن النموذج الجديد أصبح قادرًا ليس
فقط على الإجابة عن الأسئلة، بل أيضًا على تنفيذ مهام مركّبة تلقائيًا بالنيابة
عن المستخدم، مثل: توليد تطبيقات برمجية معقدة، وتحليل الجداول الزمنية وتنظيمها،
وصياغة تقارير بحثية شاملة.
وأكدت آراء الخبراء الأولية ومنظمات الأعمال التي اختبرت النموذج خلال فترة
تطويره أن GPT-5 أظهر قفزة ملحوظة في الفهم المنطقي والقدرة على تحليل
البيانات، بشكل يمكن الاعتماد عليه لأداء مهام غير مسبوقة من التعقيد والدقة.
حيث أصبح التعامل معه بحد ذاته خيارًا افتراضيًا جديدًا للمستخدمين، دون رغبة
في الرجوع لنماذج أقدم إلا في حالات قليلة.
تشمل التحديثات أيضًا إتاحة تجربة شخصية جديدة في ChatGPT قابلة للتخصيص،
حيث أضافت OpenAI إمكانية اختيار "شخصية النموذج" ليحاكي أربعة أساليب:
الساخِر، الروبوت، المستمع، أو "النيرد" (المهووس بالتفاصيل). هذه الأساليب
اختيارية وتقدم للمستخدم تحكماً بطبيعة التفاعل أو طريقة الرد التي
سيستخدمها النموذج في كل طلب — إلى جانب إمكانية تغيير لون كل محادثة.
واستجابة لمطالب المطورين، صُممت واجهات برمجة تطبيقات (APIs) أكثر تطورًا
بالاعتماد على GPT-5 لكي تسمح بتحكم أعمق في شكل الإجابات، وتدعم تنفيذ
مهام البرمجة والأتمتة بشكل أسرع وأكثر دقة، بالإضافة لتعزيز التكامل مع
الأدوات البرمجية الشهيرة مثل Visual Studio Code و GitHub Copilot.
وخلال العرض التوضيحي، قدّم يان دوبوا، رئيس قسم ما بعد التدريب في OpenAI،
مثالًا عمليًا على
قدرات GPT-5، حيث طوّر النموذج موقعًا إلكترونيًا تعليميًا لتعلّم اللغة الفرنسية يتضمن
لعبة تفاعلية. إذ نجح GPT-5 في كتابة مئات الأسطر من الأكواد البرمجية خلال ثوانٍ
معدودة، وعمل الموقع على النحو المنشود كما هو متوقع. وتؤكد OpenAI أن النموذج
أظهر أداءً استثنائيًا في اختبارات البرمجة المتقدمة مثل SWE-Bench وSWE-Lancer
وAider Polyglot، متفوّقًا على النماذج السابقة، لذلك توقع "ألتمان" أن قدرات
البرمجة التي يتمتع بها GPT-5 ستدخلنا في عصر ما يسميه "البرمجيات حسب الطلب" بمعنى أنه يمكن للمستخدمين الحصول على أو إنشاء برامج أو تطبيقات حسب احتياجاتهم بشكل فوري دون سابق خبرة.
يأتي GPT-5 بمستوى أمان متطور
من ناحية الأمان والموثوقية، فبحسب ما أوضحه أليكس بويتِل، رئيس أبحاث الأمان في
OpenAI خضع GPT-5 لاختبارات وتجارب أمان صارمة ومكثفة استغرقت أكثر من 5,000
ساعة تجريبية بهدف تقليص فرص إساءة الاستخدام وكشف نقاط الضعف، ما يجعل
الاعتماد عليه في بيئات الأعمال والتعليم وحتى في القطاعات الحساسة أكثر أمانًا
من ذي قبل. في هذا السياق، ذكر "بويتِل" أيضًا أن من أبرز التحديات التي واجهها
الفريق خلال العمل على تطوير GPT-5 هي تقليل ظاهرة "الهلوسة"، حيث كانت نماذج
الاستدلال السابقة مثل OpenAI o3 تقدم أحيانًا معلومات غير صحيحة بثقة
عالية. يقول بويتِل: "كنا في السابق نواجه مواقف يزعم فيها النموذج قدرته على
تنفيذ مهام معينة، لكنه يفشل في تنفيذها فعليًا".
ومن بين التحسينات الجديدة في هذا الإطار، قدمت الشركة مفهوم "الإجابات
الآمنة" Safe Completions في GPT-5، والذي يهدف إلى التعامل مع
الاستفسارات الحساسة بطريقة تحافظ على السلامة العامة. فعلى سبيل المثال، إذا
طرح المستخدم سؤالًا حول كمية الطاقة المطلوبة لإشعال مادة معينة، سيحاول
النموذج تقديم إجابة مفيدة دون الكشف عن معلومات قد تُستخدم بشكل ضار.
كما تقول OpenAI إن GPT-5 أصبح أكثر كفاءة في التعرف على المواقف التي لا يستطيع
فيها إتمام مهمة ما أو تقديم إجابة دقيقة على سؤال ما، فيما تأمل الشركة أن يسهم
ذلك في تعزيز ثقة المستخدمين بالنموذج الجديد. ومع ذلك، لم تكشف عن أي تفاصيل
تتعلق بالبيانات المحددة التي تم استخدامها لتدريب النموذج.
وأخيرًا، GPT-5 متاح لكل المستخدمين
على عكس أي نموذج أطلقته OpenAI من قبل، يأتي GPT-5 ليكون متاحًا للجميع دون
استثناء، فأصبح هو النموذج الافتراضي الآن في ChatGPT لكل المستخدمين، بما
في ذلك الحسابات المجانية. وبالتالي، أي سؤال أو طلب ستطرحه على الروبوت من اليوم
سيكون النموذج الجديد المسؤول عن معالجته، دون حاجة لأي إعدادات إضافية أو
تبديل بين النماذج. وإذا وصلت إلى الحد المسموح (لم تفصح عنه OpenAI) كونك تستخدم
حساب مجاني، سيتم تلقائيًا التبديل من نموذج GPT-5 العادي إلى النموذج المُصغر
"Mini" للأستفسارات الإضافية دون إنقطاع.
بالتأكيد ستكون هناك أفضلية لمُستخدمي الحسابات المدفوعة في الحدود، حيث
يمكن للمشتركين في Plus و Pro و Team الاستمتاع بحدود استخدام أعلى بكثير من
أصحاب الحسابات المجانية، كما يستطيعون استخدام نسخة "GPT‑5 Pro" التي تتميز
بمستوى استدلال ومنطق أعمق للمهام المعقدة. أما بالنسبة لمستخدمو "ChatGPT
Enterprise" و"Edu" سيتمكنوا من الوصول إلى النموذج الجديد في 14 أغسطس القادم،
ضمن واجهة خاصة وبيئة مزودة بمزايا خصوصية وأمان مُحسنّة تناسب العمل الجماعي
والمنظمات.
كما يستطيع المطورون استخدام GPT‑5 عبر OpenAI API بدايًة من اليوم، مع خيارات
تخصيص وتحكم أعمق في التكامل، وميزات جديدة تساعدهم في المشاريع البرمجية
والتحليلية. كما تقول الشركة أن المطورين لديهم امتياز خاص يمنحهم القدرة على
الوصول إلى الإصدارات الفرعية بشكل فردي وهي GPT-5 و GPT-5 mini و GPT-5 nano،
وبأسعار متفاوتة.
باختصار، OpenAI جعلت GPT‑5 في متناول الجميع منذ اليوم الأول — للمستخدم العادي
(المجاني والمدفوع)، للمطور، وللشركات — مع تدرج في الإمكانيات والحدود بحسب نوع
الاشتراك.
ربما يقترب GPT-5 من عتبة الـ AGI
رغم الأداء اللافت للنموذج الجديد، أشار سام ألتمان إلى أن النموذج لا يتعلم
تلقائيًا من تجاربه أثناء الاستخدام والتفاعل مع الآخرين (أي لا يراكم معرفة جديدة أثناء استخدامه)، وهو ما اعتبره عنصرًا
أساسيًا لا يزال غائبًا عن رحلة تطوير ما يُعرف بالذكاء العام الاصطناعي (AGI) والذي يتطلب قدرات مثل تحديد الأهداف ذاتيًا أو التعلم التكيفي الحقيقي أو الفهم اليقظ للعالم كما لدى الإنسان.
وأضاف: «أكره مصطلح AGI لأنه أصبح يُستخدم بطرق ومعانٍ متعددة، لكن يمكن القول إن
GPT-5 يمثل خطوة كبيرة نحو نماذج أكثر كفاءة وواقعية. إنه نموذج ذكي بلا شك، لكنه
لا يزال يفتقر إلى عنصر جوهري».
في النهاية، يمكننا القول أن GPT-5 يمثل لحظة فارقة في طريقة استخدمنا لـ
ChatGPT فأصبح وكيل مهام قادر على فهم وتلخيص وابتكار الحلول والمستندات والردود
وحتى البرمجيات. التطورات التي جاءت اليوم ركزت على الذكاء متعدد الطبقات،
وتوحيد النماذج، والشفافية، وتجربة الاستخدام. كما يأتي الإصدار الجديد أسرع وأكثر دقة ووعيًا مقارنة بسابقيه، مع مستوى أعلى من الحذر، وهي ميزة نادرًا ما نجدها في نماذج الذكاء الاصطناعي. لكن رغم أن ما نشهده قد لا يكون تحولاً جذريًا بقدر ما هو خطوة استراتيجية لتعزيز هيمنة OpenAI على منظومة تسيطر عليها بالفعل، فإنه يرسخ مكانتها في الجولة المقبلة من سباق الذكاء الاصطناعي، مع وعد بتواصل تطوير قدرات GPT-5 بمرور الأيام للبقاء في الصدارة.