لمدة نحو 40 عامًا، كانت "شاشة الموت الزرقاء" Blue Screen of Death التي تُعرف اختصارًا (BSOD) جزءًا من هوية نظام ويندوز للتعبير عن الأعطال التي تحدث نتيجة خلل خطير في ملفات التشغيل، إذ تظهر فورًا شاشة بخلفية ذات اللون الأزرق تؤكد للمُستخدم انهيار الويندوز دون عرض سبب واضح للمشكلة. وكنا قد تناولنا في مقالات عدة سابقة كيفية التعامل مع مشاكل شاشة الموت الزرقاء حتى باستخدام أدوات خارجية مثل أداة Driver Verifier وذلك نظرًا لتنوع أسباب ظهورها. على أي حال، يبدو أن الوقت قد حان لنقول وداعًا لشاشة الموت الزرقاء، حيث قررت مايكروسوفت استبدالها بشاشة أعطال مُحدثّة في ويندوز 11، دعونا نوضح السبب وراء القرار.
شاشة الموت الزرقاء تتغيّر للأبد
لمعرفة السبب الجذري وراء هذا القرار، علينا العودة بالذاكرة قليلًا إلى صيف العام الماضي، حيث تعرّض عدد كبير من أجهزة الحواسيب العاملة بنظام ويندوز
لعطل مفاجئ واسع النطاق؛ أثّر على آلاف المستخدمين والشركات في مختلف أنحاء
العالم. شملت هذه الأعطال متاجر التجزئة، والمطارات، وأنظمة الدفع، والمكاتب
الحكومية، بل ووصلت إلى أنظمة التشغيل الداخلية في شركات حيوية في أوروبا، وآسيا،
والولايات المتحدة.
المشكلة لم تكن في نظام ويندوز نفسه، بل في برنامج تشغيل أمني
أطلقته شركة CrowdStrike المتخصصة في الأمن السيبراني. حيث تسبب هذا البرنامج – عن
طريق تحديث خاطئ – في انهيار عدد كبير من أنظمة ويندوز، الأمر الذي أظهر مدى هشاشة
النظام في التعامل مع أخطاء الطرف الثالث، خصوصًا تلك التي تعمل على مستوى النواة (Kernel Level).
ورغم أن مايكروسوفت لم تكن الطرف المباشر في هذا الخطأ، فإنها تلقّت اللوم من قِبل
عدد كبير من المستخدمين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن استخدام أجهزتهم أو الوصول إلى بياناتهم. هذا الحدث دفع الشركة إلى اتخاذ خطوات جذرية لتحسين مرونة النظام
في مواجهة هذه النوعية من الأعطال، وأطلقت نتيجة لذلك ما يُعرف باسم "مبادرة
تعزيز مرونة ويندوز" Windows Resilience Initiative. وهي خطة موسّعة تهدف إلى ضعف
بُنية النظام، وإعادة التفكير في العلاقة بين ويندوز وبرامج الطرف الثالث.
ما الذي تغيّر في شاشة الموت السوداء
واحدة من أكبر التغييرات التي أعلنت عنها ميكروسوفت ضمن خطتها الجديدة هي استبدال
شاشة الخطأ الزرقاء الشهيرة (شاشة الموت الزرقاء) بشاشة سوداء جديدة أكثر
بساطة من حيث الشكل والمضمون. لطالما كانت هذه الشاشة مصدر قلق للمستخدمين، حيث
كانت تظهر فجأة عند حدوث عطل في النظام، مصحوبة برسائل تقنية غامضة وأكواد معقدة
يصعب فهمها. الآن، ضمن التحديثات القادمة لويندوز 11 خلال فترة الصيف هذا العام، سيتم اعتماد شاشة خطأ سوداء اللون تحتوي على رسالة مختصرة تنبه المستخدم بأن "جهازك واجه مشكلة ويجب
إعادة تشغيله"، مع إظهار رمز الخطأ واسم ملف التشغيل المسبب للمشكلة.
الهدف من هذه الخطوة هو طمأنة المستخدم وإتاحة درجة أكبر من الفهم لطبيعة
المشكلة، ومع ذلك، لن تتضمن الشاشة رمز الـ QR؛ الذي كان يُستخدم في الإصدارات
السابقة لتوجيه المستخدمين إلى صفحات المساعدة. ميكروسوفت فسّرت هذا القرار
برغبتها في تقليل التشويش والتركيز على عرض المعلومات الأساسية فقط، خصوصًا في
بيئات العمل الحساسة حيث يُفضّل أن تبقى رسائل الأعطال واضحة ومباشرة دون أي
عناصر تشتت الانتباه.
معايير صارمة لتحديثات الأمان
بالتوازي مع التغيير البصري في شاشة الموت الزرقاء، كشفت ميكروسوفت عن سلسلة من
الإجراءات التقنية والتنظيمية لتحسين حماية نظام ويندوز واستجابته للأعطال، وذلك
ضمن خطة أوسع تُعرف بـ "مبادرة ميكروسوفت للحماية 3.0"، وأحد أبرز التغييرات
فيها، هو فرض آلية معينة للتحديثات، فبدلًا من إتاحة التحديث لجميع الأجهزة دفعة
واحدة، يجب أن يتم إطلاقه تدريجيًا على مجموعات محدودة من الأجهزة، مما يسمح
بمراقبة الأداء واكتشاف أي أخطاء محتملة قبل أن تصل إلى قاعدة المستخدمين
الواسعة. وفي حال ظهور مشكلة، يمكن وقف النشر فورًا وتفادي الضرر الجماعي.
بالإضافة إلى ذلك، لن يُسمح لبرمجيات معينة بالعمل على مستوى النواة كما كان يحدث
سابقًا، بل ستُجبر على العمل ضمن وضع المستخدم، مثل بقية التطبيقات العادية، مما
يقلل بشكل كبير من خطر انهيار النظام بالكامل في حال حدوث خلل أو ثغرة أمنية في
هذه البرامج. أما من جهة نظام التشغيل ذاته، فقد أصبح ويندوز 11 أكثر كفاءة في
تسجيل وتحليل الأعطال، إذ يتم الآن إنشاء ملفات تقارير الأعطال بشكل أسرع وبصيغة
منظمة تسهّل قراءتها. كما أضافت ميكروسوفت وضعًا جديدًا يُعرف بـ Quick Machine Recovery؛ يسمح للنظام بإصلاح ذاته تلقائيًا عند تعرضه لعطل
ناتج عن تحديثات تالفة، دون الحاجة إلى تدخل تقني مباشر أو إعادة تثبيت النظام
يدويًا.
والأهم من ذلك، أن هذه المزايا لن تكون حصرية لإصدارات المؤسسات أو الأجهزة
المتقدمة، بل ستكون متاحة لجميع المستخدمين الذين يقومون بالترقية إلى ويندوز 11
من ويندوز 10. في المحصلة، يبدو أن ميكروسوفت قد أدركت حجم التحديات التي تواجهها
في بيئة تعتمد بشكل متزايد على التحديثات السريعة والتكامل مع مئات الشركات
المطورة. من خلال هذه المبادرات، تسعى الشركة ليس فقط لحماية نظامها من الأعطال
المستقبلية، بل أيضًا لإعادة بناء ثقة المستخدمين الذين باتوا يتطلعون إلى نظام
أكثر استقرارًا وأقل عرضة للمفاجآت التقنية!