تُعتبر تقنية البلوتوث واحدة من أهمّ تقنيات نقل وتبادل البيانات بين الأجهزة
لاسلكيًّا في الوقت الحاضر، وهي بمثابة العنصر الرئيسيّ للتحكُّم في تقنيات
عديدة، ولاسيّما في المنازل الذكيّة وفي إنترنت الأشياء والأجهزة القابلة للارتداء وغيرها، لذلك تحظى التقنية باهتمام بالغ وتخضع لتطوير مُستمرّ. بدورها أعلنت مجموعة BSIG رسميًّا في أوائل سبتمبر 2024 عن إطلاق أحدث إصداراتها بلوتوث 6.0 أو
الجيل السادس من بلوتوث. حسبما أعلنت الشركة فإنّ هذا الإصدار يهدف بشكل أساسيّ إلى تحسين تجربة
استخدام خاصّية Find me وجعلها أكثر قُدرة على تحديد مكان العناصر المفقودة بدقّة
وبصورة أسهل وأسرع، إلى جانب توفير طبقة أمان إضافيّة وعدد من الميزات والتحسينات
الجديدة الأخرى. في هذه المقالة نسلط الضوء على أهمّ الميزات الجديدة التي
يُقدّمها بلوتوث 6.0.
مميزات بلوتوث 6.0 الجديد
ما هي تقنية البلوتوث؟
تُستخدم تقنية البلوتوث لتوصيل بعض الأجهزة والمُلحقات ببعضها البعض لاسلكيًّا
ممّا يسمح بنقل البيانات ومُشاركة الملفّات عبر مسافات قصيرة قد تصل إلى 10 أمتار
كحدّ أقصى بين هذه الأجهزة مثل توصيل لوحات المفاتيح اللاسلكيّة، والطابعات
اللاسلكيّة، والسمّاعات اللاسلكيّة بأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكيّة، وتستخدم
لنقل الإشارات الحاملة لحزم البيانات موجات راديويّة فائقة التردد (UHF) يتراوح
تردّدها ما بين 2.402 جيجاهرتز إلى 2.48 جيجاهرتز.
كانت شركة إريكسون هي من بدأت تطوير تقنية البلوتوث في عام 1994 بهدف توفير معيار
موحّد لربط الأجهزة لاسلكيًّا ببعضها البعض بدلًا من الربط التقليديّ للأجهزة عن
طريق الأسلاك. وعلى مدار السنوات اللاحقة، شهدت التقنية مراحل تطوير متتابعة بلغت
ذروتها في عام 2010 مع إطلاق الجيل الرابع من بلوتوث، والذي أتاح لأوّل مرّة
اتّصالًا مًتعدّد النقاط فسمح على سبيل المثال بتوصيل سمّاعات الرأس لاسلكيًّا
بجهازين في نفس الوقت، وهو ما كان بمثابة طفرة تقنيّة في ذلك الوقت، كما تميّز
هذا الإصدار عن الإصدارات السابقة له بزمن وصول نموذجيّ أقلّ ومدى اتّصال أكبر
بلغ نحو 100 متر.
أهمّ الميزات الجديدة في بلوتوث 6.0
يتمتّع الجيل السادس الجديد من بلوتوث بتغطية مُحسّنة وكفاءة أكبر في الأداء من
خلال تفادي نقل أيّ بيانات زائدة عن الحاجة، وهو ما يجب أن يوفّر للأجهزة التي
تستخدمه عمر بطّاريّة أطول مُقارنةً بالإصدارات السابقة، بالإضافة إلى ميزات
اتّصال وتعرّف على الموقع مُحسّنة، وفيما يلي أبرز الميزات الجديدة التي يوفّرها
بلوتوث 6.0:
تقنية Bluetooth Channel Sounding
تعكس ميزة
Channel Sounding
الجديدة في بلوتوث وعيًا حقيقيًّا بالمسافة، إذ جعلت هذه الميزة الأجهزة التي
تدعم إصدار بلوتوث 6.0 قادرة على تحديد مواقع بعضها البعض بدقّة كبيرة وبحساسية
تصل إلى مدى سنتيمتر واحد فقط، وهو ما يُحسّن بشكل كبير من أداء خدمة "العثور على
جهازي" أو "Find My" التي توفّرها أجهزة عديدة مثل أجهزة جوحل وأبل وسامسونج
وغيرها. في أجهزة أبل على سبيل المثال، تستخدم خدمة "العثور على جهازي" نطاقًا
تردّديًّا فائق العرض (UWB) لمُساعدة المُستخدم على تحديد الموقع الدقيق لأجهزة
معيّنة مثل هواتف آيفون الحديثة وأجهزة تتبّع العناصر (أجهزة الإير تاج). يُعزّز
بلوتوث 6.0 من كفاءة أداء هذه الخدمة ويجعلها قادرة على تحديد المواقع الدقيقة
لمجموعة كبيرة من الأجهزة الأخرى.
تعتمد هذه الميزة على استخدام أحد أنظمة تحديد المدى القائم على الطور (PBR)
Phase-Based Ranging، والذي يُمكنه حساب المسافة بين جهازين يعملان بتقنية
البلوتوث من خلال قياس عدد الأطوار الموجيّة اللازمة لانتقال الإشارة الراديويّة
من المُرسل إلى المُستقبل، وبمعلوميّة وقت الذهاب والإياب Round-Trip Timing
(RTT) يُمكن الحصول على أفضل مسافة قابلة للقياس بدقّة بين الأجهزة. لا تحتاج
ميزة Channel Sounding سوى لهوائيّ واحد كي تعمل بشكل جيّد على الأجهزة المدعومة،
ولكن يُمكنها أن تعمل بصورة أفضل وتُعطي تحديدًا أدقّ للمواقع على الأجهزة التي
تمتلك هوائيّات مُتعددة.
تُضيف ميزة Channel Sounding أيضًا طبقة أمان إضافيّة من خلال المفاتيح الرقميّة،
حيث يُمكن إعداد الأجهزة التي تدعم بلوتوث 6.0 لكي تقوم بإلغاء القفل والسماح
للأجهزة الأخرى بالاتّصال بها فقط عندما يكون الجهاز الآخر قريبًا للغاية أو
موجود في نطاق مُحدّد، مما يُقلّل من احتماليّة سرقة بيانات الاعتماد نتيجة
التعرُّض للاختراق أو اعتراض طريق البيانات أو أيّ هجمات من نوع (MITM).
تصفية الإعلانات القائمة على القرار
يستهدف بلوتوث 6.0 تحسين كفاءة استهلاك الطاقة من خلال عدّة ميزات جديدة أهمّها
ميزة "تصفية الإعلانات القائمة على القرار" Decision-Based Advertising Filtering
التي تسمح للأجهزة المتوافقة مع هذا الإصدار بتصفية حزم البيانات المنقولة بحيث
تقوم الأجهزة بفحص محتوى حزم البيانات المُستلمة عبر قناة إعلانيّة أساسيّة
لتحديد ما إذا كان عليها إجراء المزيد من المسح بحثًا عن حزم بيانات ذات صلة
منقولة عبر القنوات الثانويّة أم لا، وهو ما يحدّ من عمليّات المسح غير الضروريّة
للبيانات، وبالتالي يُقلّل الطاقة المُهدرة في عمليّات المسح، ويجعل الأجهزة
قادرة على نقل البيانات دون اتصال بصورة أكثر موثوقيّة.
مُراقبة المُعلنين
تُحسّن ميزة "مراقبة المُعلنين" Monitoring Advertisers الجديدة في إصدار بلوتوث
6.0 من كفاءة استهلاك الطاقة في الأجهزة التي تدعم هذا الإصدار من خلال تعزيز
قُدرة وحدات تحكُّم البلوتوث على تتبّع مواقع الأجهزة بدقّة أكبر بحيث يُمكن
لواجهة وحدة التحكُّم المضيفة (HCI) أن تُخبر الأجهزة المضيفة عندما يتحرّك جهاز
يُريد الاتّصال بها إلى خارج نطاق الاتّصال المُحدّد، ومن ثمّ تكفّ أجهزة
البلوتوث عن إجراء المسح في محاولة للاتّصال بهذا الجهاز ممّا يوفّر الطاقة
المُستهلكة في إرسال واستقبال البيانات ويُطيل من عمر بطّاريّة الجهاز.
تحسين طبقة التكيّف المُتزامنة (ISOAL)
حدّدت الإصدارات السابقة من بلوتوث قيمة ثابتة للوقت الفاصل بين عمليات الإرسال
المتجاورة لحزم البيانات. كانت هذه القيمة الثابتة تُقدّر بحوالي 150 ميكروثانية،
ولكن مع تحسين طبقة التكيُّف المُتزامنة (ISOAL) في إصدار بلوتوث 6.0 الجديد أصبح
جهاز البلوتوث قادرًا على تقطيع إطارات البيانات الأكبر إلى أجزاء أصغر مع ضمان
دقّة معلومات التوقيت، وبالتالي؛ أصبحت التدفقات المتزامنة المُتّصلة لحزم
البيانات (CIS) مُتاحة بفواصل زمنيّة قابلة للتغيّر قد تقل أو تزيد عن 150
ميكروثانية، ممّا يسمح بنقل البيانات بمعدّلات أكثر مرونة، كما تُساعد هذه الميزة
المُحسّنة على تقليل زمن الوصول عند الاتّصال لاسلكيًّا بأجهزة الصوت التي تتطلّب
بطبيعة الحال زمن وصول منخفض، ولاسيّما في حالة تشغيل الألعاب وتطبيقات الدردشة
بالصوت والفيديو.
يُمكن أن يوفّر بلوتوث 6.0 للأجهزة المدعومة مزيدًا من الإمكانيّات الأخرى بفضل
مجموعة ميزات LL الموسّعة، فعلى سبيل المثال يُمكن لتحديث مساحة الإطار أن يُساهم
في زيادة عرض النطاق التردّدي المتاح. يحتاج المُستخدم بطبيعة الحال إلى أجهزة
متوافقة مع إصدار بلوتوث 6.0 قبل أن يتمكّن من الاستمتاع بجميع الميزات المذكورة
في هذه المقالة. لا تزال الأجهزة المتوافقة مع الجيل السادس من بلوتوث والمتوفّرة
في الأسواق حاليًا محدودة بعض الشيء، ولا يزال الوقت مُبكّرًا قبل يُصبح بلوتوث
6.0 مدعومًا على مُختلف أنواع أجهزة الكمبيوتر والهواتف والأجهزة الذكيّة
والأجهزة القابلة للارتداء.
المُلخّص
يُقدّم إصدار بلوتوث 6.0 الجديد مجموعة من الميزات المطوّرة التي تستهدف بشكل
أساسيّ تعزيز موثوقيّة وأمان أجهزة البلوتوث وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة وخفض
زمن الوصول، خاصّة لأجهزة الصوت من أجل تجربة استخدام أفضل، وعلى رأس هذه
المجموعة ميزة Channel Sounding التي توفّر قياسًا دقيقًا للمسافات بين الأجهزة
مما يُحسّن أداء خدمات مثل "العثور على جهازي"، كما أنّها تجعل الاتّصال
بالبلوتوث أكثر أمانًا إذ لا تمنح صلاحيّة الوصول للبلوتوث سوى للأجهزة الموجودة
في نطاق مُعيّن للحدّ من احتماليّة التعرّض للاختراق واعتراض طريق البيانات.
وإلى جانب ميزة Channel Sounding، يوفّر الإصدار الجديد ميزات تصفية الإعلانات
القائمة على القرار ومراقبة المُعلنين، وهي ميزات تُحسّن بشكل كبير من كفاءة
استهلاك الأجهزة للطاقة، وتجعل من إصدار بلوتوث 6.0 تقنية مُنخفضة الطاقة قادرة
على تتبّع الأجهزة القابلة للاتّصال بدقّة وفعاليّة وتفادي إجراء عمليات المسح
بحثًا عن حزم البيانات المنقولة ما لم يكُن المسح ضروريًّا، وما لم يظلّ الجهاز
المطلوب الاتّصال به متواجدًا داخل نطاق مُحدّد. كذلك يُساعد تحسين طبقة التكيُّف
المُتزامنة في إصدار بلوتوث 6.0 على نقل البيانات بكفاءة أكبر وأكثر مرونة
وموثوقيّة ممّا يوفّر زمن وصول أقلّ للأجهزة والتطبيقات التي تتطلّب ذلك.