أعتقد أنه توجد برامج للكمبيوتر لا يمكننا تخيل استخدام أجهزتنا بدونها، وبنسبة كبيرة يكون WinRAR ضمن هذه البرامج والذي يُستعمل منذُ سنوات بين شريحة عريضة من مستخدمي ويندوز. وفي حال كنت واحدًا من مستخدميه لضغط وفك ضغط الملفات، فربما لاحظت ظاهرة غريبة: الفترة التجريبية للبرنامج تبدو وكأنها لا تنتهي أبدًا! عند تثبيت البرنامج لأول مرة، تظهر رسالة تفيد بأن النسخة صالحة لمدة 40 يومًا فقط، وبعدها يتوجب عليك شراء ترخيص مدى الحياة بسعر يبدأ من 29$. ومع ذلك، تمر الأيام والأسابيع والشهور، بل وحتى السنوات، والبرنامج يستمر في العمل دون توقف.
هذه الظاهرة أثارت تساؤلات كثيرة وأدت إلى افتراضات متنوعة بين المستخدمين. فالبعض يعتقد أن WinRAR هو برنامج مجاني بالكامل، متجاهلين تمامًا رسائل التذكير بالشراء. وآخرون يظنون أن نسختهم قد تم تعديلها بطريقة ما لتسمح بالاستخدام غير المحدود. لكن الحقيقة تختلف تمامًا عن هذه التصورات، وتكشف عن استراتيجية تسويقية وتجارية فريدة من نوعها في عالم البرمجيات. دعونا فيما يلي نوضح الأسلوب الغريب والغير معتاد لعمل WinRAR وطريقة جنيه للمال أصلاً.
كيف يجني WinRAR أرباحًا
الفترة التجريبية اللانهائية
في الواقع، الفترة التجريبية غير المنتهية لـ WinRAR ليست خطأً برمجيًا أو نتيجة لتحميلك نسخة «مكرّكة». بل هي ميزة مقصودة ومدروسة بعناية من قبل مطوري البرنامج أنفسهم. هذا القرار، الذي قد يبدو للوهلة الأولى غبيًا تمامًا من الناحية التجارية، يكشف عند التمعن عن استراتيجية ذكية للغاية في السوق التنافسية لبرامج ضغط الملفات. هذا النهج الفريد يسمح لـ WinRAR بتحقيق توازن دقيق بين الانتشار الواسع والربحية. فمن جهة، يتيح للمستخدمين العاديين الاستفادة من جميع ميزات البرنامج دون قيود، مما يضمن انتشارًا واسعًا وولاءً قويًا لاسم البرنامج. ومن جهة أخرى، يحافظ على أسلوب عمل تجاري مرن من خلال استهداف فئة معينة من العملاء: الشركات والمؤسسات.
بداية WinRAR: أكثر من ربع قرن من الهيمنة
منذ إطلاقه الأول في عام 1995 على يد الروسي "يوجين روشال"، حافظ WinRAR على مكانته الرائدة في مجال ضغط الملفات لما يتجاوز الربع قرن. على مدار هذه الفترة الطويلة، لم يشهد البرنامج تغييرات جوهرية في وظائفه الأساسية أو واجهة المستخدم. هذا الثبات النسبي ليس دليلاً على الركود، بل على الكفاءة والموثوقية التي جعلته الخيار الأول للكثيرين، ففي حال استخدمته خلال التسعينيات او في هذا الوقت، لن تلاحظ أية اختلافات حقيقية في عمله كأداة لضغط وفك ضغط الملفات بصيغ متعددة، مع التركيز بشكل أساسي على صيغتي ZIP وRAR. هذه البساطة في التصميم والتركيز على الوظائف الأساسية سمحت لـ WinRAR بالحفاظ على أدائه القوي وسهولة استخدامه عبر السنين، مما عزز من ولاء المستخدمين.
استراتيجية "التجربة قبل الشراء" مع فترة تجريبية غير محدودة كانت العامل الرئيسي وراء الانتشار السريع للبرنامج. في وقت كانت فيه معظم البرامج المنافسة تفرض شراء تراخيص أو تقدم فترات تجريبية محدودة للغاية، قدم WinRAR نموذجًا فريدًا سمح للمستخدمين باستكشاف جميع ميزاته دون قيود زمنية. نتيجة لذلك، أصبح WinRAR من أكثر البرامج انتشارًا على أجهزة الكمبيوتر حول العالم حيث قلما يوجد كمبيوتر دونه، وباتت أيقونته المميزة – الكتب الثلاثة المربوطة بحزام – معروفة لدى الملايين.
على مر السنين، تمكن WinRAR من الحفاظ على هيمنته بين برامج ضغط الملفات دون أي منافسين حقيقيين. معظم البرامج المنافسة إما أنها مدفوعة تتطلب الشراء، أو أنها تعتمد على الإعلانات، مما قد يؤثر سلبًا على تجربة المستخدم. حتى عندما حاول بعض المنافسين تقليد أسلوب WinRAR في الربح، لم يحققوا نفس النجاح كون WinRAR كان قد أسس بالفعل قاعدة مستخدمين ضخمة وولاءً قويًا لأسمه كـ Brand. ثانيًا، لأن أسلوب تحقيق الإيرادات الخاص بـ WinRAR يعتمد على استراتيجية طويلة المدى لا يمكن تحقيقها ببساطة من خلال تقليد الفترة التجريبية غير المحدودة.
هذا الأسلوب الفريد سمح للبرنامج بتحقيق انتشار واسع وشعبية كبيرة، لكنه أثار أيضًا تساؤلات كونه لا يوفر مصدر ربح حقيقي للمطورين.
كيف يحقق WinRAR الربح؟
على الرغم من أن الغالبية العظمى من مستخدمي WinRAR هم أشخاص عاديون يستخدمونه على حواسيبهم المنزلية عادة، فإن النموذج التجاري للبرنامج يعتمد بشكل أساسي على فئة مختلفة تمامًا من العملاء وهم الشركات والمؤسسات. إذ أنه بالنسبة للمستخدمين من الأفراد، نادرًا ما يكون شراء ترخيص لكل برنامج مثبت على أجهزتهم أولوية. حتى مع ظهور رسائل التذكير من WinRAR بين الحين والآخر، فقلما يخطر ببال أحد أن يقوم بالشراء طالما أن البرنامج مستمر في عمله. هذا السلوك، الذي قد يبدو غبيًا كونه لا يحقق أي إيرادات للشركة المطورة، هو في الواقع جزء أساسي من استراتيجيتها وإدراكها بأن ما يعد عاديًا لدى الأفراد يتم التعامل معه بشكل مختلف تمامًا من قبل الشركات.
تتعامل الشركات والمؤسسات مع مسألة تراخيص البرامج بجدية أكبر بكثير. فالامتثال للممارسات القانونية والتجارية تفرض على هذه الكيانات التأكد من أن جميع البرامج المستخدمة في بيئة العمل مرخصة بشكل شرعي. ونظرًا لأن برامج ضغط وفك ضغط الملفات تعد ضرورية في معظم بيئات العمل، فإن WinRAR يصبح خيارًا جذابًا للشركات لعدة أسباب منها الشهرة والانتشار الواسع، مما يجعله خيارًا مألوفًا ومريحًا للموظفين. بالإضافة إلى سمعته القوية وآلية الترخيص البسيطة، دون الحاجة إلى اشتراكات معقدة.
بالطبع فهنا لا نتحدث عن شركة أو اثنتين، بل عشرات إن لم تكن مئات الآلاف من الشركات التي توظف بدورها عشرات ملايين الأشخاص، وبالتالي تقوم بشراء تراخيص البرنامج المحبوب بأعداد كبيرة. وعلى الرغم من أن سعر الترخيص الواحد قد يبدو متواضعًا نسبيًا، فإن حجم المبيعات للشركات يشكل مصدر دخل كبير ومستقر لـ WinRAR.
بالمحصلة نجد أن طريقة تحقيق الربح الخاصة بـ WinRAR تضعه في منطقة رمادية ما بين المجاني والمدفوع لتحقيق عدة أهداف في آن واحد، حيث يستخدمه الأشخاص العاديون دون تكلفة فعلية مرسخًا بذلك اسمه في أذهانهم، ومن ثم تراه الشركات الخيار الأمثل لاحتياجاتها، مما يؤدي في النهاية إلى تدفق الإيرادات لصالح مطوري WinRAR.
وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من المستخدمين الأفراد لا يدفعون مقابل استخدام WinRAR، لكن هناك شريحة صغيرة ولكنها مهمة من المستخدمين الذين يختارون شراء ترخيص البرنامج طواعية. هذا السلوك ينبع من عدة دوافع كالالتزام الأخلاقي لدعم البرنامج الذي استفادوا منه لسنوات كنوع من "رد الجميل". وهناك آخرون يرون في شراء الترخيص وسيلة لتقدير جودة البرنامج وموثوقيته. وفئة أخرى تشتريه قاصدة التخلص من رسائل التذكير، على الرغم من أنها لا تؤثر على وظائف البرنامج.