تلعب التكنولوجيا اليوم مثل وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون وشبكات الاتصالات الأخرى الأكثر تخصصًا، دورًا أكثر تأثيرًا في عملية التعرف على الوجوه. أدت التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا القياسات الحيوية، بما في ذلك تطوير قدرات التعلم الآلي، إلى زيادة الدقة وإمكانية الوصول والانتشار الواسع للتعرف على الوجه المحوسب. تعني أهمية هذا، أن التعرف على الوجوه يمكن أن يحدث على نطاقٍ أوسع وفي بيئاتٍ أكثر صعوبةً!
ماهي أنظمة التعرف على الوجوه ؟ وما هي العقبات التي تقف في وجهها ؟ وماذا عنها في زمن الكورونا ؟! وكيف استطاعت أنظمة التعرف على الوجوه تخطي حاجز الأقنعة الواقية ؟! في مقالنا هذا سنجيب عن معظم هذه التساؤلات.
يتسابق عالم التكنولوجيا بسرعة تفوق الخيال، وعلى ما يبدو أن أنظمة التعرف على الوجوه داخلة بقوة ضمن هذا السباق. وكأن كورونا أعطتها تحدّيًا جديدًا، لتثبت من خلاله جدارتها في كشف الوجوه من خلف حاجز الأقنعة الواقية. لذلك تعمل بعض أكبر الشركات في مجال التكنولوجيا على تطوير أنظمة متقدمة للتعرف على الوجوه في بيئات مختلفة، وبيعها للحكومات والشركات حول أنحاء العالم. في المقابل واجهت هذه الشركات العديد من الصعوبات المستحدثة، خاصةً مع انتشار وباء كوفيد-19.
لكن، ماذا عن تاريخ أنظمة التعرف على الوجوه وتطوراتها ؟
لنتحدث قليلًا عن البدايات المشوّقة لأنظمة التعرف على الوجوه..
كانت الستينيات بمثابة بداية التعرف على الوجه باستخدام الكمبيوتر، عندما طور "وودرو ويلسون بليسدو" (الذي كان بمثابة أب لتقنية التعرّف على الوجوه)، طريقةً لتصنيف الوجوه باستخدام خطوط الشبكة. لا تزال تقنية التعرف على الوجه من "بليسدو" تتطلب قدرًا كبيرًا من المشاركة البشرية لأنه كان على الشخص استخراج إحداثيات ملامح الوجه من الصورة وإدخال هذه المعلومات في الكمبيوتر. كانت التقنية قادرة على مطابقة 40 وجهًا في الساعة (استغرق كل وجه حوالي 90 ثانية لمطابقته) وهو ما كان يُعتبر مثيرًا للإعجاب في ذلك الحين.
لكن بحلول نهاية الستينيات، شهد مجال التعرف على الوجه مزيدًا من التطوير في "معهد ستانفورد للأبحاث"، حيث أثبتت التكنولوجيا أنها تتفوق على البشر من حيث دقة التعرف وتذكّر الوجوه (فنحن البشر نشتهر بسوء ذاكرتنا ودقة تعرفنا على ملامح الأشخاص من حولنا).
وبحلول نهاية القرن، كان اللاعب الرائد في هذا المجال هو الحل الذي خرج من "جامعة بوخوم" في ألمانيا، وكانت هذه التكنولوجيا دقيقة لدرجة أنه تم بيعها حتى لعملاء البنوك والمطارات.
منذ هذه المرحلة فصاعدًا، بدأ سوق أنظمة التعرف على الوجه في الازدهار، حيث انخفضت معدلات الخطأ في أنظمة التعرف على الوجه تلقائيًا بمعامل 272 بين عامي 1993 وَ 2010 وفقًا للتقييمات التي ترعاها الحكومة الأمريكية.
تسارعت تقنيات التعرف على الوجوه وصولًا إلى العصر الحديث وأصبح التعرف على الوجه مجرّد تقنية مألوفة عند استخدام تطبيقات مثل إمكانية Face ID لجهاز iPhone X أو MasterCard Identity Check، كما انتشرت على بوابات جواز السفر الإلكترونية في المطارات وغيرها من نقاط الأمان والتحكم في الوصول.
تنفذ هذه الحلول شكلاً توافقيًا للتحقق من الهوية، حيث تتم مقارنة شخص واحد أمام الكاميرا بهوية واحدة إما على جواز السفر أو التطبيق. في هذه السيناريوهات، طُورت الأجهزة خصيصًا ليصبح تطبيق هذه التقنية في متناول اليد، وبالتالي يسهل إنجازها تقنيًا. حتى أنه يمكن الآن استخدام تقنية التعرف على الوجه في مجموعة متنوعة من البيئات الحكومية والتجارية، بغاية تحقيق السلامة والأمن.
لماذا تستخدم الحكومات وكبار الشركات حول العالم تقنيات التعرف على الوجه؟
يمكن استخلاص الأسباب في 4 نقاط فقط:
- تعزيز الأمن والسلامة.
- مطابقة الهويات بشكلٍ دقيق وتقليل مظاهر انتحال الشخصية.
- مطابقة جوازات السفر مع هويات المسافرين في المطارات.
- ردع الإرهابيين والمجرمين واللصوص.
لكن مهلًا، ماذا عن آخر عقبة واجهتها أنظمة التعرف على الوجوه في زمن كورونا!
كيف استطاعت تجاوز حاجز الأقنعة الوقائية بكل بساطة، وخلال ثانية واحدة ؟
على ما يبدو أن أقنعة الوجه الوقائية لم تمنع الفيروسات من تخللها فحسب، وإنما منعت في طريقها عمل أبرز وأضخم أنظمة التعرف على الوجوه من حول العالم. ما فتح المجال للكثير من اللصوص والمجرمين من حولنا، بالتخفي وراء هذه الأقنعة لإخفاء هويتهم والتواجد في الأماكن العامة كسائر الناس، دون خوفهم من شيء!
فبحسب الدراسات والتجارب الأولية للمعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا "NIST"، فشلت معظم أنظمة التعرف على الوجوه المُستخدمة حول العالم بالتعرف على 20-50% من الوجوه بدقة، بعد إقبال الناس لاستخدام الأقنعة الوقائية في ظل انتشار الوباء.
لكن من أوائل الشركات التي أطلقت نظامًا للتعرف على الوجه، يحدد هوية الأشخاص حتى عندما يرتدون أقنعة، ويتكيف مع الوضع الطبيعي الجديد حيث أصبحت أغطية الوجه شكلًا أساسيًا من أشكال الحماية من انتشار فيروس كورونا؛ هي شركة NEC اليابانية الرائدة.
كانت شركة التكنولوجيا هذه، تعمل بالفعل على نظام لتلبية احتياجات مرضى الحساسية الذين يرتدون أقنعة وقائية؛ وهي ممارسة شائعة في اليابان، لكن جائحة كوفيد-19 دفعتها إلى تسريع تنمية وتطوير نظامها. كما صرّحت شركة NEC، أن التحقق واكتشاف الوجوه من خلال نظامها يستغرق أقل من ثانية واحدة، وتزعم أن معدل الدقة يزيد عن 99.9%.
وبالتالي، يمكن استخدام النظام عند البوابات الأمنية في مباني المكاتب والمرافق الأخرى. تقوم شركة NEC أيضًا بتجربة تقنية الدفع الآلي في متجر صغير غير مأهول في مقرها الرئيسي في طوكيو. وامتنعت الشركة عن الكشف عن سعر النظام.
الخوارزميات المُستخدمة للتعرف على الوجوه من خلف الأقنعة الواقية
في البداية، وبكل بساطة، يحدد النظام ما إذا كان الشخص يرتدي قناعًا! ومن ثم يصقل الأجزاء التي لم يتم تغطيتها، مثل العيون والمناطق المحيطة بها، للتحقق من هوية الشخص. يقوم المستخدمون بتسجيل صورة لوجههم مسبقًا.
يعتمد النظام على تدريب هذه الخوارزمية على مجموعتين من الصور؛ المجموعة الأولى تتعرّف فيها على الوجه، أما الثانية فتتعرف فيها على شكل القناع. وبالتالي تتشكل قاعدة بيانات من خلال الاحتفاظ بصورتين لكل شخص، ومن ثم تقارنهما في وقتٍ لاحق. وبعد إنجاز التدريب الآلي القائم على قواعد بيانات ضخمة ستتشكل من جميع أنحاء العالم، هناك ثلاث خطوات يتبعها هذا النظام:
أولًا: التعرف على الوجه وتحليله
يجري اكتشاف الوجوه من خلال كاميرات مخصصة، ليقوم النظام برسم إحداثيات الوجه على شكل شبكات عقدية، من أجل فصل ملامح الوجه بشكلٍ واضح. فكما نعلم أنه لكل وجه ثمان نقاط رئيسية، تقوم الخوارزمية بتخليلها بشكلٍ دقيق معتمدة على حساب المسافات بينها. لكن مع ارتداء قناع الوجه، سيلاحظ النظام فقدان بعض النقاط، وبالتالي يأتي عمل قاعدة البيانات المُخزنة مسبقًا، لتجري مطابقة النقط المفقودة.
ثانيًا: تحويل الصور إلى بيانات
الآن، ومن بعد عمليات تحليل الوجوه والأقنعة، يتم تخزين كل نقطة مقابل رقم ضمن قاعدة البيانات؛ وبالتالي يتشكل ما يُسمى "بصمة الوجه".
ثالثًا: تحقيق المطابقة
تجري مطابقة بصمة الوجه المطلوبة، بقاعدة بيانات بصمات الوجه الأخرى. وهنا يتم اكتشاف الوجه. وكل ذلك يحصل بغضون ثانية واحدة!
كما رأينا في موضوعنا اليوم، أدت التطورات في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا القياسات الحيوية إلى انتشار استخدام التعرف على الوجه المحوسب بشكلٍ كبيرٍ، حتى أنها استطاعت تجاوز عقبة كل أشكال أقنعة الوجه تقريبًا! ومن هنا تبدأ المخاوف بالنسبة للكثير من الناس، الذين يروا أن أنظمة التعرف على الوجه تنتهك الخصوصية، خاصةً بعد أن استطاعت تجاوز الحواجز ما بين الكاميرا والوجه، بالإضافة إلى القلق من خرق قواعد البيانات المُستحدثة من جهات مختلفة، وبالتالي الإساءة في استخدامها.
أنتم ما رأيكم ؟ شاركونا آرائكم ومخاوفكم وآمالكم حول "أنظمة التعرف على الوجوه المتطورة" التي تستكشف بثانية واحدة كل ما هو مخفي وراء الأقنعة.