تُعد سلسلة "جراند ثفت أوتو" GTA واحدة من أنجح وأشهر سلاسل الألعاب في التاريخ. في السابق، كنا
نشهد إصدارًا جديدًا من هذه السلسلة كل عامين أو ثلاثة أعوام تقريبًا، فالمدة
الزمنية بين GTA 3 (صدرت في 2001) و GTA: San Andreas (صدرت في 2004) مثلًا كانت 3
أعوام فقط، بل والأدهى من ذلك أن التحفة الفنية GTA: Vice City صدرت بينهما في
عام 2002! نعم، روكستار احتاجت سنتين فقط تقريبًا لإصدار عنوانين من الأفضل في
السلسلة والتاريخ! بعد San Andreas احتاجت روكستار 4 سنوات لإصدار GTA 4 في 2008،
ثم 5 سنوات لإصدار الأسطورة GTA V، ويبدو أن الفجوة الزمنة تتسع، ولكن أيُعقل أن
تتسع لأكثر من 11 عامًا حتى نشهد GTA 6 ؟
أسباب تأخر لعبة GTA 6
سعي روكستار للكمال
عندما تُصدر روكستار لعبةً جديدة، فإنها بذلك تضع معيارًا يتبعه بقية الناشرين في
صناعة الألعاب، وهذا ليس فقط خلال العام الذي تُطرح فيه اللعبة، بل خلال جيلِ
ألعابٍ بأكمله، ولنا في سلسلتي GTA وRDR خير مثال. هاتان السلسلتان أعادا تعريف
فيزيائيات الألعاب، ورسومياتها، وقصصها، وعوالمها المفتوحة.
يشرح رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة Take-Two Interactive (الشركة
الأم لروكستار)، ستراوس زيلنيك، هذه الفلسفة ويقول: "أعتقد أن هذا هو التحدي الذي
يواجه فريق روكستار في كل مرة يتم فيها إصدار نسخة جديدة من GTA. يجب أن تكون
شيئًا لم تره من قبل، ويجب أن تعكس مشاعرنا تجاه اللعبة، وهذا تحدٍ كبير للفريق.
إجابة روكستار على هذا التحدي هو السعي نحو الكمال؛ لا شيء أقل من الكمال، وسنصل
إليه".
بعيدًا عن ثلاثية GTA المُحسنة التي صدرت قبل بضع سنوات، لم يسبق أن أصدرت
روكستار جزءًا غير مكتملٍ من هذه السلسلة. كل جزء كان يدفع حدود الإبداع
والابتكار ويأتي بأفكار وميكانيكيات لعب أفضل من سابقه، وهذا على مستوى جميع
الأجهزة سواء كانت كونسول أو PC، إلخ. خلاصة هذه النقطة أن روكستار نادرًا ما
تُصدر لعبة سيئة أو غير مكتملة، خاصةً إذا كنا نتحدث عن سلسلتها الأشهر GTA، وهذا
السعي نحو المثالية هو المُبرر الأول لتأخر GTA 6.
نجاح GTA V و GTA Online المُغري
سنظلم لعبة GTA V إذا قلنا إنها نجحت؛ "نجحت" ليس الوصف المثالي للظاهرة الفريدة
التي تحققت في عالم الألعاب بفضل GTA V. إيرادات هذه اللعبة تجاوزت الـ 9 مليارات
دولار، هل تعرف ما معنى هذا؟ معناه أن هذه الإصدارة هي واحدة من أنجح منتجات
الترفيه في التاريخ. GTA Online وحدها حققت نصف مليار دولار من الأرباح في عام
2023، في المقابل، لعبة الـ AAA الغنية عن التعريف Cyberpunk 2077 لم تحقق سوى
752 مليون دولار (ليس رقمًا قليلًا، لكن GTA 5 جعلته كذلك).
إذًا، فأرباح GTA V منحت روكستار الاستقرار المالي الذي يتيح لها التأني في تطوير
GTA 6. الحقيقة التي لا تخفى على أحد أن روكستار أرادت "حَلب" GTA 5، وهذا ليس
وصفي، وإنما وصف أحد المطورين السابقين في الشركة حيث قال إن GTA Online تحديدًا
أصبحت بمثابة "المشروع المُدر للأموال" (تحديدًا Cash Cow). بصراحة، بنظرة موضوعية على هذا النهج، سنرى أن روكستار لم
تُخطئ في شيء، إذ من حقها أن تستفيد من كل لعبة أقصى استفادة مالية ممكنة.
الهالة وحجم التوقعات
أصبح لدى عشاق GTA توقعات عالية جدًا إزاء كل جزءٍ جديد من السلسلة، ربما أكثر من
أي لعبة أخرى في المجال. بوضع هذا الأمر في الاعتبار، بالإضافة إلى فكرة السعي
وراء المثالية، ترى روكستار أن أي جزء من السلسلة لا يمكن أن يكون مجرد تطور بسيط
عن الجزء السابق، بل يجب أن يقدم ثورة ومنهجًا يُحتذى به. تحقيق شيء كهذا يتطلب
الكثير من الوقت والمال، خاصة مع التوسع المستمر في حجم الألعاب.
الحق يُقال: ألعاب GTA ليست مجرد ألعاب، وإنما تجارب عالم مفتوح مثرية ومليئة
بالتفاصيل التي تحتاج الكثير والكثير من الوقت. الأمر لا يتعلق بالواقعية أو
الرسوميات إطلاقًا، وإنما بكل التفاصيل التي تجعل GTA العنوان الأشهر في الصناعة.
إذا أعرت اللعبة جزءًا من انتباهك ستجد أنها مليئة بالكثير من التفاصيل مثل الطقس
المتغير، ومحطات الراديو المتنوعة، والمهام الجانبية والأنشطة الثرية بالمحتوى،
والتفاعلات الممتعة مع الشخصيات الأخرى، إلخ من العوامل التي تُميز GTA. وهذا،
مرة أخرى، لا يمكن أن يُنجز في سنة أو اثنين، خاصة مع التعقّد والتطور في كل جزء
عن الآخر.
تحديات التطوير
بعيدًا عن الوقت والمال، فإن سلسلة ألعابٍ مثل GTA لا يمكن أن يطورها سوى أفراد
مبدعين ذوي مهارات عالية، خاصةً وأن السلسلة تقدم مستوى خرافي من أسلوب اللعب
ومحاكاة العالم الواقعي. الجدير بالذكر أن صناعة الألعاب ككل شهدت نموًا هائلًا
على مر السنوات، وهو ما ينعكس في ميزانيات سلسلة GTA. على سبيل المثال، كانت
ميزانية لعبة San Andreas أقل من 10 ملايين دولار، بينما بلغت ميزانية GTA IV
حوالي 100 مليون دولار، وGTA V حوالي 265 مليون دولار. أما GTA VI، فتشير بعض
التسريبات إلى أن ميزانيتها قد تصل إلى 2 مليار دولار، وهو مبلغ يتجاوز ميزانية
GTA V بعدة أضعاف، حتى مع احتساب تأثير التضخم.
نظرًا لضخامة الميزانية والتوقعات العالية من الجمهور، يواجه فريق العمل ضغوطًا
كبيرة أثناء تطوير اللعبة. وعندما يتم تحديد موعد إصدار رسمي، تزداد هذه الضغوط
أكثر، مما يؤدي إلى جداول عمل مكثفة وفترات عمل شاقة لتلبية المواعيد النهائية.
على سبيل المثال، الفريق الذي عمل على لعبة Red Dead Redemption 2 اضطر للعمل
لأسبوع عمل يصل إلى 100 ساعة لضمان جاهزية اللعبة في موعدها المحدد.
باختصار، تأخر إصدار GTA 6 لأكثر من 11 عامًا نظرًا لعددٍ من العوامل المنطقية
والمترابطة مثل التزام شركة روكستار بالجودة والمثالية وسعيها لتقديم تجربة ثورية
في كل جزءٍ جديد، والتوقعات العالية من الجمهور، والتطور الهائل الذي يفرض
متطلبات خاصة في صناعة الألعاب، وما إلى ذلك من العوامل الأخرى. السؤال هنا الآن:
هل ستعوضنا GTA 6 بعد كل هذا الانتظار أم أننا سنحصل على تجربة مُخيبة للآمال؟