انفجار أجهزة البيجر: ظاهرة غريبة تثير الجدل والتساؤلات!

في لحظة واحدة، تحولت آلاف أجهزة البيجر إلى قنابل موقوتة في حادثة مذهلة! ما القصة وراء هذه الانفجارات الغامضة؟ دعونا نستكشف معًا.
إن كنت تتابع الأخبار العالمية عن كثب، فبالتأكيد صادفت الأخبار التي تناولت ظاهرة تبدو غريبة وهي انفجار آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تُدعى "بيجر" Pager والتي يستخدمها عناصر حزب الله في لبنان كوسيلة تواصل. الأمر الذي يدعو للدهشة حقًا هو انفجارها بشكل متزامن ومفاجئ، مما أدى إلى وقوع ضحايا وإصابات كثيرة. هذه الحادثة، التي طالت أجهزة Pager من نفس الطراز والجيل، أثارت تكهنات واسعة حول احتمال وقوع هجوم سيبراني منسق. وما يزيد من غرابة الأمر أن هذه الأجهزة، التي كانت قد عادت مؤخراً إلى الاستخدام كأداة اتصال محدودة التكنولوجيا لتجنب التجسس، أصبحت فجأة مصدر خطر غير متوقع. لذلك، دعونا نستهل السطور التالية لنتعرف أكثر على أجهزة البيجر هذه، وكيف تحولت فجأة إلى قنابل موقوتة؟ ولماذا انفجرت جميعها في وقت واحد؟
جهاز البيجر

أسرار انفجار أجهزة البيجر

عودة إلى الماضي: ما هي أجهزة البيجر؟

لفهم حجم الكارثة، علينا أولاً أن نعود بالزمن إلى عصر كانت فيه أجهزة البيجر في أوج انتشارها. هذه الأجهزة، التي ازدهرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تعتبر وسيلة اتصال بدائية مقارنة بمعايير اليوم. تعتمد الـ Pagers في عملها على إشارات الراديو لتوزيع الرسائل إلى الأجهزة المستهدفة، بحيث تنتقل هذه الإشارات عبر شبكة اتصالات لاسلكية تعتمد على أبراج بث أو محطات إرسال مخصصة، تشبه إلى حد ما تلك المستخدمة في أنظمة الاتصالات الخلوية. وعلى الرغم من وجود نماذج متطورة تتضمن إمكانية إرسال رسالة نصية إلى جهاز بيجر معين، إلا أن الغالبية العظمى من أجهزة البيجر كانت مصممة لاستقبال الإشعارات فقط، حيث تتلقى تنبيهات تتراوح بين الأصوات البسيطة والرسائل النصية والرقمية.

استخدامات Pager

في عصرها الذهبي، كانت هذه الأجهزة عنصراً أساسياً في مجال الرعاية الصحية والطوارئ. كان الأطباء والممرضون يعتمدون عليها بشكل كبير لتلقي التنبيهات الفورية حول حالة المرضى، أو استدعائهم عند حالات الطوارئ. كذلك في القطاع الأمني، حيث كان البيجر يستخدم لتنبيه ضباط الشرطة بسرعة وفعالية، مما أسهم في تحسين كفاءة التواصل خلال حالات الطوارئ. ومع ذلك، بسبب ظهور الهواتف الذكية في مطلع الألفية الجديدة، بدأت أجهزة البيجر في الاختفاء والتراجع تدريجيًا، لتنحصر استخداماتها في مجالات محددة للغاية.

ربما كانت عودة أجهزة البيجر إلى الشعبية الآن مدفوعًا بالبحث عن وسائل اتصال لا تتمتع بالتكنولوجيا الحديثة لتكون مقاومة للتجسس. فأجهزة البيجر لا تحتوي على ميكروفونات أو حتى كاميرات، كما أنه لا يمكن استخدام أي تقنيات لتحديد مكانها على الخريطة بالـ GPS وهذا بالنظر إلى طبيعتها كأجهزة استقبال فقط فضلًا عن عدم احتوائها تقنيات لتتبع الموقع، فلا تقوم بإرسال أي شيء إلى الشبكة. ولكونها تعتمد على الإشارات الراديوية فقط في نطاق FM فيمكن لشبكات كبرى تشغيلها بشكل سهل وغير مكلف أو معقد تقنيًا. هذه الميزات جعلت من أجهزة البيجر خيارًا جذاباً للأفراد والمنظمات الساعية إلى تجنب المراقبة الإلكترونية، مثل عناصر حزب الله المستهدفين من قبل جيش الإجرام الصهيوني.

ومع ذلك، فإن هذه الميزات نفسها تشكل أيضًا نقطة ضعف أمنية. فنظرًا لعدم القدرة على تحديد موقع جهاز البيجر بدقة، يتم بث الرسائل الواردة عبر كامل الشبكة المخصصة (أو منطقة تغطية واسعة) لضمان وصولها إلى جهاز البيجر المستهدف حتى إذا كان موقعه غير معروف بدقة، مما يعني احتمال اعتراض أكبر للرسائل من قبل أطراف ثالثة، والذي بدوره يؤدي إلى مخاطر أمنية إذا تم فك تشفير هذه الرسائل.

لغز الانفجار: كيف يمكن لجهاز بسيط أن ينفجر؟

Motorola Pager

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يمكن لجهاز بسيط مثل البيجر أن ينفجر بهذه الطريقة الدراماتيكية؟ للإجابة على هذا السؤال، علينا أن ننظر إلى مكونات الجهاز الأساسية. مثل معظم الأجهزة الإلكترونية الحديثة، تستخدم أجهزة البيجر بطاريات الليثيوم كمصدر للطاقة. وقد ربط العديد من الخبراء بين هذه البطاريات وظاهرة الانفجار، مستشهدين بحوادث مماثلة شهدتها هواتف ذكية ولابتوبات ودراجات كهربائية في الماضي. ومع ذلك، فإن التحقيق في ملابسات هذه الحادثة لا يزال في مراحله الأولى من قبل الجهات المختصة، ولم يتم التوصل بعد إلى نتائج قاطعة. في الوقت الراهن، تتصدر فرضيتين رئيسيتين المشهد، كل منهما تحمل عناصر من المصداقية، لكنها تواجه أيضًا تحديات تحتاج إلى مزيد من الإيضاح.

الفرضية الأولى تقول أن هناك تحديث تشوبه ثغرات برمجية قد وصل إلى أجهزة البيجر المنفجرة أدى إلى إتاحة إمكانية تعرضها لاختراق عن بُعد. بمعنى آخر، فوفقاً لهذه الفرضية، قد تكون الأجهزة تلقت تحديثًا تضمن تعليمات برمجية خبيثة تسببت في خلل في عمل البيجر، وبالأخص في إدارة استهلاك البطارية، بحيث يؤدي إلى استهلاك الطاقة بشكل سريع في وقت قصير ما ينتج عنه ارتفاع درجة حرارة البطارية بشكل كبير، مما يتسبب في نهاية المطاف بانفجارها. وعلى الرغم من أن هذه الفرضية تبدو الأبسط من ناحية التنفيذ، إلا أنها تواجه عدة تحديات. أولًا، أجهزة البيجر التقليدية غير مصممة لتلقي تحديثات عن بعد، فهي مجهزة فقط لاستقبال إشعارات بسيطة. ثانيًا، الطبيعة المعروفة لانفجارات بطاريات الليثيوم لا تتطابق تمامًا مع ما شوهد في مقاطع الفيديو المتداولة للحادثة. عادةً، تمر بطاريات الليثيوم بمراحل من التسخين وإطلاق الدخان قبل أن تنفجر، وهو ما لم يلاحظ في هذه الحالة.

Gold Apollo Rugged Pager

الفرضية الثانية تركز على وجود تعديل مُعد مسبقًا في أجهزة البيجر التي تعرضت للانفجار، حيث يقول خبراء أن هناك احتمال وجود تلاعب مادي بالأجهزة في مرحلة ما من الإنتاج أو سلسلة التوريد. وفقاً لهذه الفرضية، قد تكون كميات صغيرة من المتفجرات، مثل المتفجرات البلاستيكية شديدة الانفجار، قد زُرعت داخل الأجهزة. أو ربما تم استبدال البطاريات الأصلية بأخرى معدلة، أو تمت إعادة برمجة الأجهزة بحيث تسبب جهد زائد على البطارية عند تلقيها إشارات معينة. ورغم أن هذه الفرضية تتطلب جهدًا أكبر وتخطيطًا أكثر تعقيدًا، إلا أنها تتماشى بشكل أفضل مع الأدلة المتاحة حاليًا. فقد أظهرت الصور المتداولة أن الأجهزة المنفجرة كانت جميعها من إنتاج شركة Gold Apollo التايوانية، وأنها وصلت في شحنة واحدة، مما يزيد من احتمالية تعرضها للتعديل. كما أن طبيعة الانفجارات التي لا ينتج عنها حريق، كما ظهر في مقاطع الفيديو، تتوافق أكثر مع هذه الفرضية.

هل انفجار بيجر يدعو للقلق حقًا؟

انفجار بيجر

في ظل الغموض الذي يكتنف هذه الحادثة، قد يتساءل الكثيرون عما إذا كان عليهم القلق بشأن سلامة أجهزتهم الإلكترونية الأخرى، لاسيما التي تحمل بطاريات الليثيوم. وفقاً للخبراء، فإن احتمال تعرض الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الحديثة لمثل هذا النوع من الهجمات يعد منخفضًا للغاية كون الهواتف والأجهزة الحديثة عمومًا مزودة بأنظمة أمان متطورة تمنع ارتفاع درجة حرارتها بشكل يضر بالبطارية. على سبيل المثال، تقوم الهواتف الذكية بإيقاف نفسها تلقائيًا عند بلوغ درجة حرارة معينة لتجنب انفجار البطارية. هذه الآليات تجعل من الصعب للغاية نجاح أي هجوم من هذا النوع على الأجهزة الحديثة.

في حال صحة الفرضية الثانية، والتي تميل إليها التحليلات الأولية، فإن الهجوم يبدو موجهًا ومخصصًا بشكل كبير. تنفيذ مثل هذا الهجوم يتطلب جمع معلومات استخباراتية دقيقة، واعتراض شحنات معينة، وتنفيذ عملية معقدة تقنيًا. هذا يعني أن الأشخاص العاديين الذين لا يشغلون مناصب حساسة أو لا يعدون طرفًا في صراعات كبرى، من غير المرجح أن يكونوا هدفاً لمثل هذه الهجمات. لكن بشكل عام، حادثة انفجار أجهزة البيجر هذه تسلط الضوء على التحديات الأمنية المستمرة في عالم التكنولوجيا، حتى مع الأجهزة التي تعتبر بسيطة نسبيًا. وبينما لا يزال التحقيق جاريًا لكشف الملابسات الكاملة لهذه الحادثة، فإنها تذكرنا بأهمية الحذر والتيقظ في استخدام أي تقنية، قديمة كانت أم حديثة.

هذه الحادثة قد تؤدي إلى إعادة تقييم شاملة لاستخدام أجهزة البيجر في المجالات التي عادت إليها مؤخرًا، وقد تدفع إلى تطوير حلول اتصال بديلة تجمع بين البساطة والأمان. ولا نقصد هنا أجهزة المحادثة اللاسلكية (Walkie-Talkie) حيث أفادت شبكات اعلامية وتقارير لبنانية تعرضها للانفجار أيضًا بين عناصر حزب الله، وربما يرجع ذلك إلى تطابق الفرضية الثانية التي أشرنا إليها أو لكون أجهزة "ووكي توكي" تعاني من قصور شبيهة بأجهزة البيجر. على أي حال، تبقى هذه الحادثة تذكيرًا قويًا بأن التكنولوجيا، مهما بدت بسيطة، يمكن أن تصبح أداة قوية في الأيدي الخطأ. 

في النهاية، الأمر مازال لغزاً يحتاج إلى المزيد من التحقيق والتحليل. ومع استمرار الخبراء في البحث عن إجابات، يبقى العالم في حالة ترقب لمعرفة التداعيات الكاملة لهذا الحدث غير المسبوق في عالم التكنولوجيا والاتصالات.
عبدالرحمن
عبدالرحمن
مدير المحتوى بموقع عالم الكمبيوتر منذُ قرابة 10 سنوات، مدفوعًا بشغفي العميق بالتكنولوجيا الذي أحمله معي في كل مقال ومراجعة.
تعليقات

احدث المقالات