هل تحتاج أقراص SSD لعملية إلغاء التجزئة مثل هاردات HDD ؟



تابع قناة عالم الكمبيوتر علي التيليجرام


قبل سنوات طويلة، كان مصطلح "الغاء التجزئة" معروفًا بل والأكثر تداولًا عند الحديث عن أقراص التخزين الصلبة (HDD) إذ كانت عملية الغاء تجزئة القرص الصلب حلاً مطروحاً بقوة لمعظم مشاكل الكمبيوتر المتعلقة بالبطء ويمكن صياغة هذا الموقف في عبارة "حاسوبك بطيء؟ يبدو أنها مشكلة القرص الصلب، هيا لنقوم بعملية إلغاء التجزئة!". ولكن بمرور السنوات، وبعد أن بدأ انتشار أقراص HDD في الأفول أمام صعود نجم أقراص SSD السريعة، لم تتراجع فكرة "إلغاء التجزئة" بقدر مساوٍ، وبدأ التساؤل حول تأثير هذه العملية على أداء القرص الصلب وبالتالي سرعة الحاسوب، وهل حقًا إلغاء التجزئة لايزال ضروريًا في عصر الـ SSD أم لا؟ دعني أخبرك انطلاقاً من السطور الآتية.


ما هي عملية إلغاء التجزئة ؟


ببساطة تقوم هذه العملية بترتيب وتنظيم البيانات المُخزنة على وحدة التخزين ومنها القرص الصلب (HDD) بطبيعة الحال، وهذا الترتيب أو التنظيم يتخذ تخزين البيانات في كتل متجاورة بهدف تعزيز سرعة وحدة التخزين في الوصول إلى البيانات، ما يؤدي إلى تحسين أداء الجهاز ككل، حيث بمرور الوقت ونظرًا لطبيعة عمل أقراص HDD الصلبة تحدث ظاهرة التجزئة نتيجة لأن البيانات تكون مُوزعة بين كتل متباعدة.


لتستوعب الفكرة، تعمل أقراص HDD الصلبة على تخزين البيانات رقميًا على اسطوانات مغناطيسية تُسمى Platters، ويكون هناك رأس متحرك فوق كل اسطوانة لقراءة وكتابة البيانات. تقنيًا، عند حفظ ملف جديد على الهارد، يتم تقسيمه إلى عدة أجزاء مرتبة بشكل تسلسلي تُسمى كتل "Blocks" ولكن مع الاستخدام المتكرر وتخزين عدد كبير من الملفات، تتناثر الأجزاء التي تم ترتيبها بشكل تسلسلي في البداية، لتصبح مخزنة على أماكن مختلفة بين الأسطوانات.

هذا ما يسمى التجزئة، وحالما يحدث هذا يحتاج الهارد للبحث عن الكتل المُوزعة بين الأسطوانات في أماكن متفرقة عندما يُطلب من الحاسوب الوصول لملف مُعين، مما يؤدي لانخفاض الأداء، حيث يستغرق الهارد وقتًا أطول لتجميع كتل الملف في كل مرة. هنا يأتي دور عملية إلغاء التجزئة التي تقوم بترتيب كتل البيانات بالتسلسل لتخزينها معاً في أماكن محددة على الأسطوانات، مما يسرع الوصول للملفات وقراءتها بالنسبة للكمبيوتر. هذه العملية في بدايتها تكون بطيئة حيث يحتاج الهارد إلى إيجاد الطرف الأول لكل ملف تم تخزينه ومن ثم يبدأ بترتيب الكتل بالتتابع — يشبه الأمر كما لو أن الهارد يحل مكعب روبيك ضخم!


لا تحتاج أقراص SSD لعملية التجزئة


هذا صحيح، تعمل أقراص SSD بطريقة مختلفة تماماً عن أقراص HDD القديمة، فلا توجد اسطوانات مغناطيسية ورؤوس قراءة/كتابة بل تتم حركة البيانات بسرعة مُذهلة عبر ذاكرة الفلاش NAND بحيث يتطلب الوصول إلى ملف مُعين على الـ SSD عادًة أقل من 50 ميكروثانية، في حين أن الوصول إلى ملف مُخزن على هارد HDD حديث يستغرق 15 مللي ثانية (ما يعادل 15,000 ميكروثانية)، أي أسرع بنحو 300 مرة! مما يجعل عملية إلغاء التجزئة بدون فائدة تُذكر، بمعنى آخر لا تتطلب أقراص SSD وقتاً طويلاً للوصول لكتل الملف حتى لو كانت موزعة في أماكن متفرقة بين ذواكر الفلاش، وذلك لأن ذواكر الفلاش المستخدمة في الـ SSD مُتصلة ببعضها بسرعة موحدة فائقة.

ما سبق يُترجم إلى أن وصول الحاسوب للبيانات في حالة تجزئة القرص يكون بنفس سرعة الوصول إليها في حالة إلغاء تجزئته! وبالتالي لن تلاحظ أي مكسب في الأداء إذا حاولت إلغاء التجزئة على الـ SSD الخاص بك، بل على عكس، سيؤدي فعل ذلك إلى تراجع الأداء وتقصير عمره الافتراضي، دعني أوضح كيف.


إلغاء التجزئة قد يكون آخر شيء يريده الـ SSD الخاص بك!


إذا كان لقرص SSD أعداء من صنفه فلن يتمنى لألدهم عملية إلغاء التجزئة، فهو آخر حل يمكن اللجوء إليه وتحت ظروف معينة تبرره، وذلك لأن إلغاء التجزئة تحد من أداء قرص SSD وتقصر من عمره الافتراضي. لاحظ أن الاختلاف بين الـ SSD وأقراص HDD القديمة لا يقتصر فقط على عدم وجود اسطوانات مغناطيسية وتحسين وقت الوصول للبيانات، بل تحتوي أقراص SSD أيضًا على خوارزميات ذكية تعمل على تسوية عملية التآكل للخلايا المسؤولة عن حفظ البيانات ضمن ذاكرة الفلاش NAND. 

بمرور الوقت، ومع تخزين وحذف البيانات (دورات القراءة/الكتابة)، تتعرض الخلايا في ذاكرة NAND الفلاشية للتآكل الذي يمنعها من الاحتفاظ بأي بيانات جديدة. في أقراص SSD الحديثة تستطيع الخلية الواحدة تنفيذ اكثر من 3000 عملية قراءة/كتابة قبل أن تتآكل تمامًا. لكن لتجنب تآكل الخلايا بشكل فردي، والذي سيؤدي لفقدان البيانات المخزنة بشكل أسرع، تقوم أقراص SSD بتوزيع عمليات القراءة والكتابة على الخلايا في وقت واحد بحيث لا تتعرض خلية للتآكل أكثر من غيرها. هذا يضمن أن جميع الخلايا تعرضت لعدد مماثل من مرات القراءة والكتابة، هذا يضمن كذلك أن البيانات لا تصبح مجزأة.


إجراء عملية إلغاء التجزئة على الـ SSD، بالرغم من كونه مسموحًا، إلا انه سيؤدي إلى استهلاك عدد كبير من دورات القراءة والكتابة في وقت قصير للغاية، ما يتسبب في تآكل الخلايا بشكل مبكر وهو ما يترجم إلى تدهور الأداء. ليس هذا فحسب، قد تكون عملية التجزئة مجرد مضيعة لوقتك خاصةً إذا كان حجم قرص SSD كبيراً. بناءً على طريقة تعامل أقراص SSD مع البيانات قراءةً وكتابةً، فإن قيام هذه الأقراص بالمسح وإعادة الكتابة لترتيب البيانات يستهلك مواردها، ذلك لأن القرص يقوم بعملية تصنيف وترتيب للبيانات منه وإليه.

صحيح لن تلاحظ تأثير ذلك من أول مرة، أي يمكنك إجراء عملية إلغاء تجزئة للـ SSD مرة وحتى خمس مرات ولن تشعر باختلاف ولن يتدهور الأداء الآن، إلا ان تأثير ذلك سيظهر على المدى البعيد.

على سبيل المثال، قرص Samsung 850 EVO سعة 500 جيجابايت يمكنه تحمل 150 تيرابايت من إجمالي عمليات الكتابة، في الوقت نفسه يقوم المستخدم العادي بكتابة أقل من 20 جيجابايت من البيانات يوميًا في المتوسط، هذا يعني أن حرق 150 تيرابايت من عمليات الكتابة قد يستغرق أكثر من 20 عامًا. ولكن عند إجراء عملية إلغاء التجزئة للقرص باستمرار كـ روتين للحفاظ على أداء القرص، سيتقلص هذا الرقم نظرًا لأن هذه العملية ستؤدي لكتابة مئات الجيجابايت من البيانات خلال مدة قصيرة، مما يتسبب في تآكل ذاكرة التخزين NAND بشكل أسرع. لذا لا أنصحك بفعلها إلا إذا كانت لديك هواية لتجميع أقراص SSD التالفة!

توجد طرق بديلة لتسريع قرص SSD خاصتك


ما الوضع إذا بدأ قرص SSD الخاص بك في الشكوى من ضغوطات حياته المعقدة المليئة بالملفات؟ هل هناك طرق بديلة لإلغاء التجزئة ولا تؤدي لتدهور الأداء؟ رغم أن أقراص SSD تقوم ذاتيًا بإجراء عددًا من العمليات خلف الكواليس للحفاظ على استقرار الأداء، إلا أن هناك العديد من الطرق لتسريع أدائها أو الحد من تراجعها.


إحدى هذه الطرق التقليم "Trimming"، وهي عملية تقوم بحذف كتل البيانات غير المُستخدمة وجعلها قابلة للاستخدام، وذلك لمنع تراكم البيانات غير المستخدمة والذي قد يسبب تباطؤ أداء الـ SSD. شرحنا بالفعل في مقال سابق ما هي تقنية TRIM وكيفية تفعيلها لإطالة عمر الـ SSD ولكن دعني أخبرك أن أقراص SSD الحديثة أصبحت ذكية بشكل كافٍ لتقوم بتشغيل هذه التقنية تلقائيًا كل فترة في صمت تام، بل وأن أداة Defragment and Optimize Drives المدمجة في إصدارات ويندوز الحديثة ستمنحك خيار تنفيذ أمر Trim (بالضغط على زر Optimize) بمجرد اكتشاف وجود قرص SSD متصل بالكمبيوتر.


يمكن أيضاً تسريع أداء أقراص SSD عبر تفعيل تقنية التوفير الزائد "Over Provisioning" والتي ركزنا عليها ضمن الأشياء التي يجب أن تقوم بها بمجرد تركيب هارد SSD في الكمبيوتر. ببساطة، تقوم هذه التقنية على حجز مساحة من التخزين على الـ SSD وتكون هذه المساحة غير قابلة للاستخدام، غالبًا تمثل 7 أو 10% من الحجم الإجمالي للقرص. الهدف من ذلك تحسين أداء القرص وعمره الافتراضي عن طريق تقليل عدد دورات الكتابة وتوفير مساحة إضافية غير مستغلة حتى إذا امتلأ القرص بالملفات يومًا ما. بدون هذه التقنية، يتراجع أداء الـ SSD بشكل ملحوظ بمجرد استنفاذ السعة التخزينية بالكامل، وذلك يرجع لطبيعة عمل هذه الأقراص أصلًا. في الواقع، كلما زادت المساحة المحجوزة تمكن القرص من أداء مهام أكثر تطلّباً للموارد بدون التأثير على أداؤه.


تأتي معظم وحدات SSD مع تقنية OP مفعلة مُسبقًا، وهو ما يبرر عدم تطابق سعة التخزين الفعلية مع تلك المعلنة من الشركة المصنعة. ولكن حتى إذا كانت مفعلة فتستطيع التحكم في نسبة المساحة المحجوزة عبر البرنامج المساعد المقدم من الشركة المصنعة مثل Samsung Magician وبرنامج SSD Dashboard من شركة SanDisk وغيرها. 

أخيرًا، حاول أن تحافظ على جعل الـ SSD خاليًا من الملفات نادرة الاستخدام والبرامج غير الضرورية، حيث يعُد ذلك ضمن أحد الأسباب التي تجعل أقراص SSD الأكبر حجمًا أسرع من تلك الأصغر، وقد وضحنا تفسير ذلك في موضوع الاشياء التي لا يجب عليك فعلها مع هارد SSD نوصي بمراجعته لمعرفة المزيد بخصوص هذه النقطة.

بشكل عام هناك طرق كثيرة يمكن بها تسريع الـ SSD أو الحفاظ على استقرار أدائه، لكن بالطبع إلغاء التجزئة لن تكون من بينها، ليس فقط لأن المكاسب التي تعود نتيجة إجراء ذلك ستكون ضعيفة بل وأيضًا التآكل الإضافي الذي يتلقاه الـ SSD من العملية.

تعليقات