من المؤكد أنك تتعرض بشكل يومي أثناء تصفحك لاختبار يسألك "هل أنت روبوت؟" في موقع ما أو في تطبيق معين، ويكون الأمر في بعض الأحيان مزعجًا فبعد أن تمضي وقتًا في إدخال المعلومات الضرورية وتصل للخطوة الأخيرة لإنجاز ما تريد، تظهر أمامك هذه الرسالة مع اختبار معين من خلاله تثبت أنك بشري ولست روبوت، وفي حين ان الامر ليس جديدًا ومعروف منذُ سنوات، لكنك بالتأكيد تساءلت عن سبب هذه الرسالة ولماذا أحتاج ان أُثبت انني بشري ولست إنسانًا آليًا ؟ دعني أخبرك بالإجابة عبر سطور هذا المقال وسأعطيك السبب وراء هذه العملية.
القصة وراء الاختبار
فكرة إثبات انك بشري هي في الواقع أحد الآثار الجانبية لاعتماد كل شيء في الحياة تقريبًا على جهاز كمبيوتر من نوعًا ما، ومع تطور الأجهزة وإتاحة إمكانية أتمتة الكثير من الأنظمة والعمليات ظهرت "البوتات" كاختصار للروبوتات، والفكرة ورائها هي قيام تلك البوتات بعمليات متعددة بدلاً من البشر في أقل وقت ممكن. فمثلًا يمكن لشخص يفكر في تعدين العملات الرقمية أن يقوم بإعداد كود برمجي عبارّة عن "بوت" او انسان آلي يبحث في مواقع التسوق الالكترونية عن معالجات رسومية من نوع خاص يمكن استخدامها لعملية التعدين، فيقوم هذا البوت بالعمل على مدار الساعة لإتمام أكثر من عملية شراء للمعالجات الرسومية المطلوبة في أقل وقت قبل ان تنفذ من السوق.
إذًا فمن جهة تجد أن هناك فائدة لتلك البوتات من ناحية اختصار الوقت وتقليل تدخل البشر، ولكن من جهة أخرى قد يتم استغلال هذا الموضوع في تجميع البيانات أو القيام بأي نشاط غير شرعي مثل توليد متابعين بأعداد هائلة أو التصويت على استبيان معين، وبالتالي ونتيجة لذلك اختُرع في التسعينات ما يُسمى بأكواد الكابتشا CAPTCHA ومهمتها تحديد فيما إذا كنت بشريًا أم روبوت، وبالفعل تحدثنا عنها باستفاضة في موضوع سابق: أكواد الكابتشا لماذا نحتاجها، وكيف تتطور.
وتحتاج الكثير من المواقع لتحديد من يقوم بالتعامل معها لتجنب الوقوع في مشاكل كالاختراق مثلاً حيث يتم التأكد فيما لو كان الشخص الذي يسجل دخولاً هو بشري أم روبوت، وكذلك عند إضافة تعليقات على أمر معين لتجنب التعليقات الزائفة وللتأكد من أنها نابعة من بشري. قس على ذلك من أمثلة لنشاطات قد يتم استغلالها لتحقيق أهداف معينة قد تكون مؤذية في بعض الأحيان.
أخذت هذه الاختبارات أشكالاً عدة، فتجد منها ما هو يتطلب كتابة بعض الحروف والأرقام المكتوبة بطريقة يتخللها تشوهات معينة كالضباب، أو تكون مكتوبة بشكل متعرج ومتصلة ببعضها البعض ويتخللها خطوط كثيرة، والهدف وراء ذلك هو خداع الخوارزميات التي تتعرف على الحروف بشكل تلقائي، فهناك برامج الـ OCR يمكن استخدامها لتتعرف على الحروف والأرقام ضوئيًا وتكون قادرة على استخراجها بشكل صحيح من الصور، وبالتالي إن كان الاختبار عبارة عن حروف وأرقام عادية (غير متعرجة أو بها تشوهات) فيمكن إنشاء روبوت يقوم بتجاوزه بسهولة.
اختبارات من أجل تدريب الذكاء الاصطناعي
بقي الحال كما عليه حتى عام 2007 حيث ظهر مشروع تحت اسم reCAPTCHA وكانت الفكرة منه إعادة تصميم اختبار التحقق للقيام بمهام أخرى ذات معنى كتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث طور هذا المشروع من قبل علماء في علوم الحاسب بجامعة Carnegie Mellon ولكن ظهر للعامة في عام 2009 وهو العام الذي استحوذت فيه جوجل على المشروع وبدأت تستخدمه لتطوير بيانات الخرائط الخاصة بها.
الفكرة هنا هو ان المستخدم سيُطلب منه تحديد أشياء معينة كشارع أو طائرة أو إشارة مرور في طريق ما ويتم استخراج الصور المستخدمة في الاختبار من خدمة Google Street View. لكن قد لا يعلم البعض أن حل هذا الاختبار يساعد جوجل على تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. كما ذكرت، عندما تطور المشروع أعيد تصميم الاختبارات لتؤدي فيما بعد مهام ذات معنى، والمفارقة هنا هي أنه وبإشارتك للأشياء ضمن الصور لتؤكد أنك بشري، فإنك تساعد وسائل التعلم الآلي على التعرف على محتويات الصور المختلفة، والذي بشكل ما يساعد في تحسين منتجات جوجل.
من الممكن ومن خلال تحديد إشارات المرور والجسور وتقاطعات الطرق المختلفة، فإنك تساعد في تدريب نماذج ذكاء صنعي لتطوير سيارات ذاتية القيادة في المستقبل، حتى ومع تأكيد جوجل في 2019 على أنه لن يتم استخدام البيانات الخاصة بهذه الاختبارات في مثل هذه الأغراض.
استغلال اختبارات الكابتشا لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي أو للقيام بمهام جانبية مرتبط بمشروع reCAPTCHA لكنه يُظهر بأكثر من اختبار. ففي حال كان الاختبار عبارّة عن تحديد الأشياء من مجموعة صور فانت هنا تساعد في تحسين أنظمة الذكاء الاصطناعي، اما لو كان الاختبار يتطلب كتابة كلمات وعبارات معينة فهنا الأمر يتعلق بأرشفة الكُتب للاحتفاظ بها لأجيال قادمة.
قد يبدو ذلك صادمًا بعض الشيء لكن فعلًا، بدلاً من توظيف شخص يقوم بإدخال محتوى كتاب ما نصيًا أو التحقق منه يدويًا، تم استخدام اختبارات الكابتشا التي تطلب من المستخدم كتابة الكلمات لتلك المهمة. حتى عام 2011 استطاعات اختبارات Recaptcha من رقمنة أرشيف كُتب Google بالكامل - بالإضافة إلى 13 مليون مقالة من صحيفة New York Times يعود تاريخها إلى ما قبل إلى 1851.
إذًا، وباختصار، بدأت هذه الاختبارات فقط للتأكد من أن من يستخدم موقع ما هو بشر وليس روبوت، واستغل الامر فيما بعدها لتحقيق أهداف أخرى وإقحامنا بها دون أن نعلم.